الرئيسية

العلاقات فيما بين البيانات المكانية (1)

صورة الكاتب: 

يعد فهم طبيعة علاقات البيانات المكانية مهما في قرينة الحديث عن نظم المعلومات الجغرافية. وبشكل خاص، تعد العلاقة بين الظواهر الجغرافية عملية - أو مشكلة بالأحرى- معقدة، نجد أنفسنا فيها بعيدون كثيراً عن فهمها بشكل كامل. وهي تسترعي الإهتمام، إذ أن الدور الأساس لنظم المعلومات الجغرافية هو معالجة وتحليل كميات كبيرة من البيانات. حتى الآن فإن الحل النظري المقبول هو تركيب البيانات المكانية بنائياً – أو تبولوجياً كما هو المصطلح الأجنبي : Topology.

{ وعليه فإنه يُعتقد بأن نموذج البيانات البنائي Topological Data Model، النموذج الأكثر قرباً في تمثيل جغرافية الواقع، حيث يقدم أساساً رياضياً فعالاً في ترميز أو تمثيل العلاقات المكانية، وبالتالي يعد نموذجاً لمعالجة وتحليل البيانات الخطية Vector Data .}
معظم برامج نظم المعلومات الجغرافية تعزل أو تفصل البيانات المكانية والبيانات الوصفية في نظم ادارة بيانات منفصلة. فعادةً ما يُستخدم التركيب البنائي أو التركيب الخلوي لتخزين البيانات المكانية، في حين يستخدم التركيب العلائقي Relational Structure في تخزين البيانات الوصفية. تُربط البيانات من كلا التركيبين معاً للاستخدام من خلال أرقام أو رموز مميزة مشتركة مثل اسماء الظواهر Feature labels والمفاتيح الرئيسة Primary Keys في نظم إدارة قواعد البيانات DBMS. هذا التزاوج للظواهر المكانية مع حقل الصفات Attribute Record عادة ما يُصان بواسطة رقم داخلي يُخصص من قبل برنامج نظم المعلومات الجغرافية. يتطلب الأمر اسماً للظاهرة بحيث أن المستخدم يستطيع أن يملأ السجل الوصفي الملائم للظاهرة المطلوبة. في الغالب يتم إنشاء سجلاً واحداً للصفات بشكل آلي في برنامج نظم المعلومات الجغرافية بمجرد عمل تركيب بنائي نظيف. هذا السجل الوصفي عادة ما يشمل: الرقم أو الرمز الداخلي للظاهرة؛ ومعرّف اسم الظاهرة من قبل المستخدم؛ مساحة الظاهرة؛ وحدود الظاهرة. الظواهر الخطية بالطبع تشمل على طول الظاهرة بدلاً من المساحة.

التركيب البنائي TOPOLOGY
في الحقيقة، النموذج البنائي مربك للمستخدمين المبتدئين في نظم المعلومات الجغرافية. غير أنه يمكن تعريف التركيب البنائي أو التبولوجي على أنه منهج رياضي يسمح لنا بتركيب البيانات بناءً على مباديء تجاور الظواهر واتصالها، بهدف تحديد العلاقات المكانية. فبدون تركيب بنائي للبيانات في نظام معلومات جغرافية خطي، فإن معظم وظائف معالجة البيانات وتحليلها لن تكون عملية أو ممكنة.
إن أكثر النماذج شيوعاً للتركيب البنائي هو نموذج المنحنى-العقدة Arc/Node Model. فهذا النموذج يشمل كيانين أساسيين وهما المنحنى (الخط) Arc والعقدة Node. فالمنحنى ما هو إلا سلسلة من النقاط vertices موصلة بخطوط أو وصلات خطية Line segments مستقيمة، التي تبدأ وتنتهي بعقدة Node. أما العقدة فهي تمثل نقطة تقاطع حيث عندها يلتقي أثنين أو أكثر من الخطوط. تظهر العقد أيضاً في نهاية منحنى متدلي، مثل المنحنى الذي لا يتصل بمنحنى آخر مثل الشارع الذي ينتهي عند نقطة معينة ولا يتصل بشارع أو شوارع أخرى. في حين أن العقد المنفصلة أو المعزولة وهي التي ليست متصلة بأي منحنى فهي تمثل ظواهر في شكل نقطي. وفي هذا النموذج البنائي، نرى أن المضلع Polygon الذي يمثل الظواهر المساحة، ما هو إلا سلسلة مقفلة من المنحنيات.
يُخزن التعريف البنائي في برامج نظم المعلومات الجغرافية في شكل أو هيئة بيانية Format خاصة بهذه البرامج. وعلي أي حال، فإن معظم هذه البرامج تسجل التعريف البنائي (اي التركيب) في ثلاثة جداول. هذه الجداول مشابهة للجداول العلائقية. وتمثل الجداول أنواعاً مختلفة من الظواهر، مثل الظواهر النقطية أو الخطية أو المساحية. ويُستعان أيضاً بجدول رابع يحتوي على الإحداثيات. فجدول العقد يخزن المعلومات حول العقدة والمنحنيات المتصلة بها. أما جدول المنحنى يحتوي على معلومات بنائية للمنحنى، كما يشمل عقدة البداية وعقدة النهاية، والمضلع على يمين وعلى يسار المنحنى. أما جدول المضلعات فيحدد المنحنيات التي تشكل كل مضلع. بالرغم من شيوع مصطلحات العقدة والمنحنى والمضلع في معظم برامج نظم المعلومات الجغرافية، إلا أننا نجد بعض منتجي هذه البرامج يستخدمون مصطلحات مثل الحواف Edges للمنحنى والأوجه Faces للمضلعات، على أي حال هذه فقط تعابير أخرى لنفس المفهوم.
بما أن معظم البيانات المدخلة لا توجد في شكل تركيب بنائي، أي ليست مركبة تركيبا بنائياً بعد، فإنه لا بد أن يتم بناء هذا التركيب بواسطة برنامج نظم المعلومات الجغرافية. وحسب مجموعة البيانات، فقد تكون عملية البناء مجهدة حاسوبياً وتأخذ وقتاً طويلاً. تتطلب عملية البناء هذه انشاء جدوال التركيب البنائي وتحديد المنحنيات والعقد والمضلعات. ولكي يتم تحديد التركيب البنائي بشكل صحيح فإن هناك متطلبات معينة بالنسة للعناصر البيانية، مثل: لايوجد خطوط مكررة، ولا فراغات في أو بين المنحنيات التي تحدد أو تشكل المضلعات، وغيرها مما نجده في أنواع عملية انشاء وتصحيح البيانات بنائياً.

بعض خصائص التركيب البنائي:
بما أننا عرفنا أن هذا التركيب يساعدنا في نمذجة العلاقات بين الكيانات أو الظواهر المكانية، فإنه من الطبيعي أن يساعدنا أولاً في تمثيل الواقع كما نراه ويضمن سلامة البيانات وفي عمليات مثل تحليل التجاور والإتصالية. ففي التجاور Contiguity or Adjacency ، نجد أنها عملية تتضمن تقييم تجاور الظاهرة، مثل الظواهر التي تتماس مع بعضها البعض touch-one-another، والقرب Proximity مثل الظواهر التي تقترب من بعضها البعض near-one-another، كما في عملية التحزيم Buffering. إن الإيجابية الأساسية للنموذج البنائي هي أن التحليل المكاني Spatial Analysis يمكن أن يتم دون استخدام بيانات الإحداثيات. فكثير من العمليات يمكن أن تتم بشكل كبير –إن لم يكن بشكل تام- باستخدام التعريف أو التحديد البنائي Topological definition لوحده. ( للتوضيح أكثر، نحن نريد مثلاً أن نعرف هل هذا الشارع متصل مع الشارع الآخر، وليس السؤال أين توجد الظاهرة بالضبط من وجهة نظر إحداثية. لهذا نجد أن الخريطة التي تبين لنا مثلاً ارتباطات الطرق أو الشوارع من وجهة نظر بنائية أو علاقية تعد خريطة بنائية بغض النظر عن طبيعة موقعها الإحداثي- أنظر مثلاً "خريطة" –تجاوزاً نستخدم كلمة الخريطة- شبكة القطارات تحت الأرض في لندن كما هي مرسومة داخل كل قطار ستجدها عبارة عن أشكال خطية تبين أساساً طبيعة العلاقات بالخطوط (القطارات والمحطات) وليس شكلها كما هي عليه بالإحداثيات في الواقع، إذن لدينا نموذج منطقي Logical Model وليس واقعي أو مادي Physical Model. هذا النوع نطلق عليه في الخرائط بالكارتوغرام. هذا ما نقصد بكلمة التعريف أو التوصيف البنائي، وهذا هو المهم من وجهة نظر التحليل المكاني في نظم المعلومات الجغرافية).

هذه الخاصية أو الميزة مهمة مقارنة بنموذج البيانات الخطي الغير بنائي كما في برنامج : CAD والذي يعرف بالنموذج الإسباغتي Spaghetti الذي يتطلب اشتقاق العلاقات المكانية من البيانات الإحداثية قبل الشروع في عملية التحليل، وهي عمليات تحليل محدود، لذا لا نجد مقارنة بين التحليل بنظم المعلومات الجغرافية ونظ الرسم الهندسي مثل: CAD.

أما السلبية الأساسية للنموذج البنائي فتكمن في كون النموذج ذو طبيعة ثابتة Static، ولو أن النموذج طور حديثاً ليكون في شكل قواعد وطرق أكثر ديناميكية كما في حزمة نظام: ArcGIS . أيضاَ، ولضمان تحديد البناء بشكل ملائم فإن النموذج يعد عملية مكلفة زمنياَ، طبعاَ حسب حجم وتعقيد مجموعة البيانات. فعلى سبيل المثال، نجد أن 2000 مضلع لتمثيل مناطق غابية في منطقة إدارية أو بلدية معينة تحتاج إلى وقت كبير لبنائها بحيث تربط مع حدود قطع الأراضي في هذه المنطقة. فالمشكلة هنا تكمن في تعقيد حواف الظاهرة الأولى التي عادة ما تكون متعرجة مقارنة بحدود ظاهرة قطع الأراضي التي عادة ما تكون في أشكال طولية وهندسية منتظمة. مثل هذا لا بد أخذه في الإعتبار عند تقييم قدرات التركيب البنائي لبرنامج معين من برامج نظم المعلومات الجغرافية. إن طبيعة الثبات في النموذج البنائي يعني أيضاً أن كل مرة يتم عمل تصحيح، كأن يحدث مثلاً أن حدود الغابات تغيرت بسبب الحصاد أو الحرائق، لا بد أن يعاد بناء التركيب مرة ثانية. لكن لابد ملاظة أن هذه الطبيعة تغيرت كثيراً في النماذج الجديدة كما في ArcGIS، بحيث يتم البناء بشكل آني متى متى ما حدث التغير أثناء التحديث أو التصحيح، إنما كان هذا هو الأصل في النسخ السابقة لهذا الإصدار، وفي معظم البرامج الأخرى. كما أن التكامل وسلامة التركيب البنائي وجداول نظم إدارة قواعد البيانات DBMS التي تحتوي على البيانات الوصفية جديرة بالاهتمام والحذر هنا. فهذا يعرف عادة بالسلامة المرجعية Referential Integrity . ففي حين أن التركيب البنائي يعد بمثابة الآلية التي تضمن سلامة البيانات المكانية Spatial Data، فإن السلامة المرجعية تعد بمثابة المفهوم الذي يضمن سلامة ترابط البيانات البنائية المرتبطة والبيانات الوصفية.

خلاصة:

«» إذن التركيب البنائي عبارة عن طريقة ليعرف نظام المعلومات الجغرافية بها ما يلي:

1- أين ظاهرة ما بالنسبة لغيرها من الظواهر؟
2- أي الأجزاء من الظواهر المختلفة التي يكون بينها اتصال؟
3- كيف يحدث الإتصال بين الظواهر (ليعطينا القدرة للتحرك فيما بين الظواهر كما في التطبيقات الخطية مثل شبكات الطرق والمجاري المائية وغيرها)؟

«» إن التركيب البنائي يساعدنا على ضمان عدم تكرار البيانات بدون داع في قاعدة البيانات. فقاعدة البيانات
تخزن خطاً واحداً فقط لتمثيل حداً واحداً معيناً (مقارنة بخطين، واحد لكل مضلع). فقاعدة البيانات هنا
تخبرنا بأن الخط يُعد الجهة اليسرى لمضلع واحد وهو نفسه يُعد الجهة اليمنى للمضلع المجاور.

«» هناك ثلاثة مفاهيم مهمة للتركيب البنائي في تمثيل العلاقات المكانية للظواهر، وهي:
1- التجاور Adjacency – لتمثيل الحدود المشتركة
2- الإتصالية Connectivity – لتمثيل العقد المشتركة مع المنحنيات
3- الإحتواء Containment ، أو التحديد المساحي Polygon Definition – لتمثيل المضلعات من خلال سلاسل المنحنيات، وتمثيل المضلعات داخل المضلعات كما في ظاهرة الجزر Islands.
(أنظر شكل 1)

«» ينشيء برنامج نظام المعلومات الجغرافية قاعدة بيانات تحفظ وتتابع العلاقات كسلسلة من الظواهر
المشتركة. ففي خريطة عادية مكونة من مساحات أو مضلعات لغطاء الأرض، نجد أن المضلعات مؤلفة
من سلاسل خطية نسميها بالمنحنيات Arcs –كما في نظام ArcInfo، فيها منحنيات يشترك معها
مضلعات، وأخرى لا تشترك بمضلعات. إذن تركيب قاعدة البيانات صُمم ليحفظ قائمة بكل المنحنيات وكيف
تشترك وترتبط مع معلومات كل مضلع.

«» إرتباطات قاعدة البيانات الخطية Vector Database Links:
إن الإتصالية كما سُجلت بالتركيب البنائي في قاعدة البيانات تسمح لنا بعمل عمليات مثل تحديد الكباري والمسارات من ظاهرة إلى أخرى. والقدرات الإستعلامية العلائقية مع تراكيب بنائية للبيانات تمنحنا القدرة بالفحص من خلال منطق معقد لتحديد واكتشاف المواقع الجديرة باهتمامنا أثناء عمليات التحليل بنظم المعلومات المجغرافية، وهنا تكمن قوة هذه النظم. ولنأخذ مثال من إدارة الغابات، فإذ كان لدينا أشجار أصبحت جاهزة لحصادها في منطقة تتميز بأنها منطقة غابية متخلخلة وفي نفس الوقت منطقة رعي ذات اشجار وأحراش نباتية مختلفة. وبما اننا لا بد أن نحافظ على التنوع في الحياة البيئية والبرية في هذه المنطقة، فيمكن أن نستخدم نظم المعلومات الجغرافية للاستعلام من قاعدة البيانات عن تلك القطع من الأخشاب التي تلبي احتياجاتنا في علمية الحصاد. اننا نحتاج هنا أن نعرف مكان نوع هذه الأشجار التي حددنا أن تكون من القطع التي نستخدم فيها المنشار طبعاً، بحيث تكون الشروط:
1- تكون مجاورة تماماً لنفس الأشجار من نفس النوع،
2- تكون من الأشجار الناشئة وذات غطاء كثيف،
3- وتكون في منطقة رعوية.
إن هذا الاستعلام المركب سيكون حصيلة ربط بيانات ومعلومات مكانية ووصفية تظهر لنا في شكل خريطة تلبي هدف المحلل هنا وهو المالك لهذه المنطقة، طريقة فعالة في إدارة ما هو موجود في المنطقة من ثروات.

وكذا الحال في الأمثلة العديدة الأخرى، ففي مجال الشبكات الخطية نجد تطبيق مفهوم الإتصالية مهم جداً في تطبيقات خدمات الطواري والمواصلات وغيرهأ. هنا نحتاج مثلاً إلى عمليات تحليلية مختلفة تقوم على التركيب البنائي، فنجد مثلاً تحليل المسار الأقل كلفة Least-cost path analysis.

image
شكل 1: نموذج التركيب البنائي.

لاحظ في هذا الشكل كيف أن عناصر أشكال الظواهر معرفة لبعضها البعض بواسطة التركيب البنائي. لاحظ كم يوجد من جدول وماذا يفيد كل جدول؟ لاحظ أيضاً أن هذه المفاهيم البنائية تفيد في تحلييلات واستعلامات متعددة، مثل:
ا) كيف يمكن أن أصل من نقطة A إلى نقطة B باستخدام الطرق في المدينة؟
ب) ماهي المساحة المتجمعة أو الكلية لكامل المناطق السكنية؟
ج) أي المناطق السكنية قريبة أو مجاورة للمنتزهات في المدينة؟

*قسم الجغرافيا/جامعة الملك سعود
إعداد وترجمة بتصرف من مصادر مختلفة أهمها من الموقع أدناه بواسطة ديفد بكي
http://cpu.uwc.ac.za/GIS-primer/page_22.htm

old_id: 
559
اسم الكاتب: 
د. علي الغامدي