الرئيسية

حرب النجوم ... أين نحن منها !!

في مقاله سابقه لي بجريدة الرياض بالعدد رقم ( 1310 ) وتاريخ 06/05/2004م بعنوان \" خطوة أولى نحو العزة النظام العربي لتحديد المواقع GPS براق - خيال فهل يصبح حقيقة ؟ \" أشرت إلى موضوع حساس وبالغ الأهمية وظننت عند كتابتي عن هذا الموضوع أن كثير من الجهات المعنية على المستويين المحلي والعربي سوف تهتم وتلقي ضوءاً عليه والاهتمام بما جاء فيه وتكون تلك المقالة بمثابة الشرارة التي سوف تشعل الحماس لتبني بعض أو كل ما جاء في الفكرة التي تم طرحها. ولكن على عكس ذلك تماماً لم يحدث شيء ولا حياة لمن تنادي وبدا الأمر بالنسبة لي كمن ألقى السلام على نيام.

بل أن المختصين ممن لديهم دراية وعلم بهذا المجال لم يفكروا في كتابة تعليقاً أو رداً على ما جاء فيه سلباً أو إيجاباً. أنا هنا لست أستجدي أحد لقراءة الموضوع أو الاهتمام به لسبب شخصي لا ، ولكني أريد أن أقول أن القوم نيام وفي سبات عميق وأن العالم من حولنا يتسارع من أجل البقاء ومن أجل تحقيق أهدافه. كل أمه تحاول أن تتسلم زمام الأمور وتتسلم القيادة لهذا العالم. إلا نحن نتصارع من أجل المؤخرة فلا أعتقد أن هناك أمة من الأمم تملك ما نملكه من حضارة وخيرات وخبرات وتقبع في ذيل القائمة. لا بد وأن هناك خلل وأنه يجب علينا أن نبحث عنه بالأساليب العلمية والعملية وأن نعالج الأمر بأسرع ما يمكن. وإذا رجعنا جميعاً إلى المقالة المشار إليها أعلاه سوف نجد أن ما أشرت إليه لم يكن حلماً أو ضرب من المستحيل ولكن كان نوع من الطموح والرؤية المستقبلية التي نتمنى أن نبدأ من خلالها رسم الشكل الجميل الذي يجب أن تكون عليه أمتنا في مستقبلها وأقول مستقبلها لأننا لو عملنا بكل جد ووفقنا في ذلك لتداركنا مستقبلنا أما حاضرنا فقد أضاعه من سبقونا ونحن أكملنا هذا الضياع فلا أعتقد أننا نكن لمن سبقونا كثير من التقدير والاحترام فلم نرث منهم شيء فقد أضاعوا ما ورثوه من تراث أجدادنا العلمي في شتى المجالات فيجب أن نحرص على أن نقدم ولو بداية موفقة للأجيال القادمة ونجعلهم يسايرون الركب ويقلصون الهوة التي بيننا وبين الغرب المتقدم.

وعوداً إلى موضوع المقالة السابقة لمن لم يطلع عليها فقد كان ( دعوة لإنشاء نظام عربي لتحديد المواقع GPS لأهميته المدنية والعسكرية ولكونه يعبر عن قدرة تقنية متقدمة وفيه تحرر من قبضة الغير ويعتبر مرحلة جديدة من العمل التقني والعسكري والمدني ويمكن تحقيق ذلك بعدة طرق إما بإنشاء نظام من البداية وإن كان مكلف أو المشاركة في النظام الروسي الذي يتعرض للإنهيار بسبب عدم توفر ميزانيات كافيه له ) وإن كان هناك من الزملاء ومن المختصين قد أثنوا على المقالة وما جاء فيها إلا أن ذلك لم يكن هو الهدف فقد تمنيت أن أرى تحركاً في هذا الجانب على المستوى الرسمي للدول العربية والإسلامية ولكن للأسف لم يحدث فظننت أنني قد طرحت طرحاً غير منطقي وكلاماً غير صحيح ! حتى حدثت بعض تنبؤاتي بل ونفذ آخرون ما طرحته من أفكار.

دعونا نقف عند أجزاء من المقالة السابقة وعن بعض الأحداث التي حدثت بعدها ،،،
قلت في مقالتي \" من المؤكد أن قرار الإتحاد الأوروبي لبرنامج أطلاق نظام تحديد المواقع GPS ( جاليليو ) له أبعاد سياسية وأن الدول الكبرى تعيها تماماً فهذا النوع من التقدم التقني نوع من الاستقلالية والتحرر من قبضة الغير وهي رسائل موجهة بين الطرفين أمريكا والإتحاد الأوروبي وبالتأكيد قد دار بينهم من النقاشات السابقة واللاحقة ما فيه الكفاية \" إنتهى وهنا أؤكد على ما جاء في مقالي فبعد مرور خمسة أشهر فقط على مقالتي وتحديداً في 24 / أكتوبر 2004 كتب في Business اللندنية أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تسقط أقمار أنظمة تحديد المواقع الأوروبية Galileo في وقت الحرب إذا استخدمت بشكل يهدد أمنها. ثم بدأت الاتهامات المتبادلة بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الصين لماذا ؟ لأن الموضوع خطير وتشعر أمريكا بالخوف من جهة وخيبة أمل من جهة أخرى لأن هناك تحرر لبعض المناطق من سيطرتها ودخول منافسين جدد لها في حرب النجوم والتحكم الفضائي وبذلت جهداً ومازالت تبذل ولن تتوقف عن إجهاض هذه المشاريع ولكن العمل مستمر ودؤوب في هذه المشاريع من قبل الإتحاد الأوروبي والصين فلقد ذكرت الولايات المتحدة الأمريكية أن النظام الأوروبي لا داعي له وأنه تكرار لشيء قائم يمكنه تقديم خدماته للجميع في مختلف أنحاء العالم فلماذا هذا الصرف وهذه الميزانية العالية ؟!

وبالتحديد عندما علمت أن الصين قد وقعت اتفاقاً مع الإتحاد الأوروبي على الاستفادة من خدمات النظام الأوروبي مع العلم بأن الصين يملك نظاماً مستقلاً بها أي يغطي الصين فقط وهو لم يكتمل بعد ولكنه مستخدم وجاري تنفيذه حسب ما خطط له.

ويقول مسئول بالإتحاد الأوروبي في المقابل : لو كان النظام الأوروبي الحالي جاليليو متوفر لما حدث وأن وقعت أوروبا في مأزق بشان مسائل عالمية ومثال ذلك حرب العراق ( أي غزو أمريكا للعراق ). وردت الصين على التهديد الأمريكي بشأن ضرب أقمار النظام الأوروبي لقيام الصين بتوقيع اتفاقية تعاون مع الإتحاد الأوروبي للاستفادة من خدمات \" جاليليو \" بقولها أن التصريحات الأمريكية بشأن ضرب النظام الأوروبي بسبب الصين مثير للاشمئزاز والضحك في الوقت ذاته وتقول أن الاتفاقية هي للاستخدامات المدنية فقط ومن أجل دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008م ومما يؤكد خوف الولايات المتحدة الأمريكية الكبير من نظام \"جاليليو\" هو ما جاء على لسان أحد المسئولين بقوات الدفاع الجوي الأمريكي قوله ماذا سوف نفعل بعد عشر سنوات من الأن عندما تصبح حياة الأمريكيين في خطر بسبب النظام الأوروبي \"جاليليو\" والذي يهاجم القوات الأمريكية بدقة عالية ؟!

وما تزال الحرب قائمة وإن كانت الاجتماعات المتواصلة بين الطرفين دائمة ومستمرة إلا أن أمريكا تحاول بشتى الطرق السياسية وغير السياسية إيقاف هذا البرنامج. فمن وجهة نظري المتواضعة أن أمريكا قد بذلت جهداً كبيراً لتوقف الإتحاد الأوروبي في البداية عن تنفيذ البرنامج وذلك بتقليل أهميته وتهميش دوره في ظل وجود نظام أمريكي وأخر روسي إلا أن تمسك الإتحاد الأوروبي بالبرنامج جعله يخطوا إلى الأمام. وتم إطلاق أول قمر صناعي للنظام وهو للتجربة وتجريب النظام رغم التحديات الاقتصادية التي واجهت أصحاب المشروع من حيث عدم توفر الميزانيات لمراحل المشروع إلا أن تبنى أحد الوزراء بالإتحاد الأوروبي ومحاربته من أجل أن يظهر النظام للوجود وأعتقد أنه وزير الاتصالات الألماني فقد تحرك الإتحاد الأوروبي لحل هذا الجانب بشكل ممتاز بحيث قام بشيئين أولهما إدخال شركاء إستراتيجيين في النظام مثل الهند والصين وبعض الدول الأخرى التي لديها تقنية متقدمة تخدم المشروع.

والشيء الثاني هو من خلال قيام الإتحاد الأوروبي بتسويق خدمات المشروع قبل بدئه من خلال بيع خدماته مسبقاً على كثير من دول العالم ومنها السعودية – المغرب – وآخرين في أوروبا وأسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.

وبهذا توفرت السيولة اللازمة لإكمال المشروع وتم إطلاق أول قمر للفضاء الخارجي وكما ذكرنا أن أمريكا كانت تطمح لتأخير أطلاقه بشتى الطرق لأن التصريح الخاص بالتردد لنظام جاليليو والذي حصل عليه الأوروبيين من الجهة المعنية عالمياً (الأتحاد الدولى للاتصالات) قد قارب على الانتهاء مما قد يعطل المشروع لسنة أو أكثر وبهذا الإطلاق للقمر الأول تنفس الأوروبيون الصعداء وخفض الأمريكان رؤوسهم قليلاً ولكنهم يأملون في أن يتعثر الأوروبيون في المراحل القادمة ولكني لا أعتقد ذلك لأنهم تغلبوا وبطريقة احترافية على المعضلة الكبرى وهي إطلاق أول أقمار النظام رغم التكاليف الكبيرة التي يحتاجون إليها لاستكمال هذا المشروع الحلم إلا أنهم ماضون في طريقهم نحو تحقيق هدفهم.

دعونا الأن نعود إلى مقالي السابق ونقتبس منه هذه الجملة \" وإن قال البعض أن مثل هذا المشروع مكلف فإننا نقول أن هناك خيار آخر من خلال تعاون الدول العربية والإسلامية للدخول شراكة مع روسيا في نظامها الحالي والذي يحتاج إلى تطوير وصيانة وقد ينهار إن لم يتداركه الروس وذلك بإدخال أقمار جديدة للنظام .... \"

وكانت هذه دعوة مني للدول العربية والإسلامية لكي يستفيدوا من هذه الفرصة المتاحة إلا أنه لم يستجيب أحد لندائي من خلال هذا الطرح ولكن يبدوا أن هناك من استجاب وبطريقة عملية حيث دخلت إسرائيل في شراكة مع الروس في نظامهم ووقعت الصين اتفاق تعاون مع الروس أيضاً. وبنهاية هذا العام سيتم إطلاق ثمانية أقمار جديدة لدعم النظام الروسي وبذلك فقدنا فرصة كبيرة لأننا لا نفكر في المستقبل بشكل جاد أو حتى نعطي اهتماماً لما يطرح وبهذا قد أوصد باباً كنا نأمل أن ندخله نحن بدلاً من إسرائيل وكنا أولى منها لأنها تحت الرعاية الأمريكية في كل الظروف وبرغم ذلك كانت تفكر في مثل هذا الأمر وانتبهت له قبل من هم في أمس الحاجة إليه عجباً لأمتنا !!
إن التخطيط الإستراتيجي مهم جداً لمن أراد أن يصنع مستقبلاً ويبني حضارة ويعيد أمجاداً.

ليس الهدف من مقالي هذا هو أن أبرهن على ما ذكرته في مقالي السابق لا. أن هدفي الأساسي هو أن أدعوا المسئولين في أمتنا عامة إلى التفكير في المستقبل والشعور بالمسئولية تجاه أمتنا بأن تضع لها مكانة مرموقة على المستوى العالمي وأن يعلموا أن ذلك لن يتحقق إلا بالاهتمام بجميع النواحي في مجالات الحياة الدينية والعلمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية نعم يجب العمل على جميع هذه المحاور وبنظرة بعيدة وثاقبة مع استغلال كل الفرص المتاحة والبحث الجاد عن الطرق والأساليب التي توصلنا إلى أهدافنا الكبيرة.

هذا قليل من كثير يمكن أن يقال في مجال كهذا وبالتأكيد أن هناك أمثله مشابهة في علوم ومجالات أخرى إلى متى الغفلة وإضاعة الفرص. ولا بد من أن نساير الركب وأن نسبق غيرنا ، أعتقد أن اللوم في مثل هذه الأمور لا يقع عائق على القادة وحدهم فقط وإنما يقع على كل من له القدرة على تقديم شيء لأمته ووطنه ثم يتراخى عن أدائها أو أن يقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. أين أصحاب الخبرات من طرح وتقديم كل مشروع حيوي وإستراتيجي للمسئولين كواجب عليهم تجاه أوطانهم وأمتهم العربية والإسلامية ويترك للقادة بعد ذلك إكمال دورهم. إن مثل هذه الأمور لا بد من التعاون فيها بين درجات هرم المسئولية صعوداً ونزولاً.

أسأل الله التوفيق والسداد لكل من يعمل بإخلاص في سبيل رفعة أمته ووطنه والله من وراء القصد ؛؛؛

*الكليه التقنيه بالرياض
rubaish1@hotmail.com

old_id: 
555
اسم الكاتب: 
مهندس/ محمد بن حجيلان الربيش