المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللقاء المفتوح الاول مع الدكتور ظافر القرني



إدارة النادي
12-05-2005, 09:17 AM
الأخوة الأعضاء الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يستضيف ملتقى تواصل أعضاء نادي نظم المعلومات الجغرافية سعادة الدكتور ظافر القرني (www.dr-algarni.net)ضيفاً في زاوية اللقاء المفتوح.
وبهذه المناسبة يسرنا استقبال أسئلة الأعضاء الكرام في هذه الزاوية لكي يقوم سعادة الدكتور القرني بالإجابة عليها مباشرة.
وللدكتور مساهمات في الاستشارات الهندسية، والدورات التدريبية، والمشاريع الهندسية، والمؤتمرات العلمية، وبعض المشاركات في الصحف، والمجلات الإعلامية، في تخصصه وفي شؤون الأدب والثقافة عامة، و له أكثر من ثلاثين بحثًا منشورًا، وخمسة عشر كتابًا بين مطبوع ومخطوط.

فأهلاً ومرحباً بضيف اللقاء المفتوح الدكتور ظافر القرني

عبدالله الصقري
12-05-2005, 09:36 AM
السلام عليكم ورحمة الله

هل الأسئلة محددة في مجال معين مثل تخصص الدكتور أم المجال مفتوح للاسئلة بشكل عام .

الصقري

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-05-2005, 01:23 PM
أشكر إدارة هذا النَّادي المتميِّز على ما تبذله من جهد ملموسة نتائجه مع إشراقة كلّ يوم جديد. وأسأل الله أن يعيننا على تقديم ما يفيد وينفع في هذا اللّقاء المفتوح مع المهتمين بنظم المعلومات الجغرافية وروافدها المختلفة التي لا حصر لها....

كما أحيي الأخ الصقري، وأقول من المعلوم أن من تكلَّم في غير فنّه أتى بالعجب؛ ولكن الحدود بين المعارف حدود وهمية وإن برزت لنا صارمة ومنيعة ....

ولذلك أرحب بالسؤال الخاص والسؤال العام، وما لا نستطيع التحدّث عنه نتجاوزه إلى غيره.

تحياتي

سلطان السبيعي
12-05-2005, 03:19 PM
يالها من مفاجأةً جميلة

بالتأكيد سيكون لقاء مُمتع ملئ بالفائدة والكثير من المتعة

أ.د- ظافر علي القرني

إنتظرني سأبحث عن الأسئلة التي تليق بسعادتك وأنقشها لكم
..
همسة :أنا أحد طلابك أ.د- ظافر القرني ... وتتلمذت على يديك في مادة 313 همس قبل حوالي ثلاث سنوات..

كانت من أمتع المواد الدراسية التي درستها..

فشُكراً لك

عبدالله الصقري
12-05-2005, 03:54 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وسؤالي إلى الدكتور ظافر

ما هو رأيك في مشاركة الأساتذة أمثلكم في المنتديات المتخصصة كنادي نظم المعلومات الجغرافية مثلاً.

الصقري

عزيزة الشهري
12-05-2005, 04:56 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته :

ما أجملة من لقاء عندما يكون أستاذنا الفاضل سعادة الدكتور ظافر القرني هو الضيف .

انتظرنا ففي جعبتنا الكثير و الكثير من الأسئلة . لكن لعلنا ألا نثقل عليك فنختار بعضا منها .

المميزة

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-05-2005, 05:03 PM
حياك الله يا سلطان نحن لا ننسى الذي يمرّ بالذّاكرة مرورًا عابرًا فما بالك بمن تربّع اسمه فيها زمنًا طويلا. أنت وأمثالك من المهندسين مصدر فخر لنا فسيروا في الحياة على بركة الله معلمين ومتعلمين، إلى أن ترتقوا بهذه المهنة من أجل أبناء هذا الوطن والأمة عامة.

ولولا حبّ اللّقاء بك وبأمثالك من الفضلاء لما قبلت هذه المسؤولية من إدارة هذا النادي الجميل. لأنِّي علم الله أتهيب السؤال كما يتهيب الشاعر الفحل المعمعة قبل أن يصل إليها؛ ولكننا نتعاون، وربما سأل السائل سؤاله وهو أدرى به لتعمّ الفائدة، فليس هناك سائل ومسؤول، إنَّما هناك سؤال نسلّط عليه الضوء حتى يبين غامضه، وتكشف بعض أسراره، فيفهم كلّ إجابته بحسب ما لديه من مخزون معرفي. ويبقى الإنسان بحاجة إلى العلم والمعرفة إلى أن يغادره الوعي، والله المستعان....

حياك الله مرّة أخرى وطابت أيامك.

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-05-2005, 06:11 PM
أيها الصقري الفاضل مرحبًا بك وبمشاركاتك

تعلم أنّ الأمّة التي ليس لها ملتقيات علميّة تتداول فيها الأفكار والأراء - كلٌّ فيما يخصه - أمّةً متخلّفةً مهما كان فيها من العلماء، ومهما أوتيت من ثروة... وهذه الملتقيات يمكن أن تكون مؤتمرات مجدولة، أو ندوات، أو دورات أو لقاءات أو غير ذلك. والحقيقة أن تقنية الإنترنت جعلت هذه المؤتمرات شبه حيّة على مدار العام، وإن كانت لا تُغني عنها تمام الغنى. وعليه فالمشاركة من الجميع عامةً ومن المعنيين خاصة دليل وعي وحضارة. ولي من الماضي والحاضر شواهد كثيرة على مستوى العالم كلِّه، أقفزها كلّها رغم أهميتها البالغة وأكتفي باللَّقاء الوطني الأول لنظم المعلومات الجغرافية بالمملكة الذي عقد في الخبر قبل أسبوعين؛ فانظر كم من الفوائد التي بدأنا نجنيها من لقاء صغير في مدينة صغيرة. لقد عرف بعضنا بعضا، وعرفنا بعض هموم بعض العلميّة، وعرفنا كثيرًا من الإمكانات والفرص والحلول لمشكلات كثيرة، وصحح بعضنا أفكار بعض بما تيسَّر من مناقشات.... وبحثنا عن وسيلة يبقى بها التَّواصل فكان هذا النَّادي المزدهر بكلّ المشاركين فيه. أفبعد هذا أيّها الصقر يقول قائل أن المشاركات من المتخصصين غير مفيدة؛ إنَّها عين الصواب وواجب لا يتركه عاقل مهتم بشأن وطنه وأمّته.

دم سعيدًا وإلى لقاء آخر

ظافر بن علي القرني

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-05-2005, 06:19 PM
شكرًا لك أيتها المتميزة، وأنا سعيدٌ بسرورك بهذا اللَّقاء .... وكلّنا نتعلم من السؤال ومن الجواب، فمرحبًا بك وبأسئلتك وبمشاركاتك الجميلة ....



ظافر بن علي القرني

المهندس فهد الشهري
12-06-2005, 08:22 AM
مرحبا بالدكتور ظافر ........

سررنا اهذا اللقاء ومتأكد ان هذا اللقاء سيثمر فوائدا كثيرة .

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-06-2005, 11:15 AM
وأنا أحييك يا فهد .....
وبالتضافر يكون النجاح

حمود العنزي
12-06-2005, 01:47 PM
أستاذي القدير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بودي لو حدثتنا عن كتاب (رحلة الشَّظف من قرية العنفوان إلى بلاد الأمريكان) وهل هو سيرة ذاتية للكاتب، ومتى سيرى النور؟

مع خالص شكري وتقديري

حمود العنزي

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-06-2005, 02:55 PM
حياك الله يا حمود وشكرًا لسؤالك

لهذا الكتاب قصة. فقد جاءني بعض الأخوان من إدارة تعليم الرياض، وقالوا ستلتقي إدارات التعليم من المملكة في المدينة المنورة، ومن ضمن الأعمال المقدمة مسرحيات تناسب حال التعليم وواقع العصر الذي نعيشه. ورغبوا في أن أكتب لهم نصًّا تدور أحداثه حول طالب سافر للدِّراسة في الغرب وله في بعثته قصص، ليوظفوه لهذا الغرض. وعلى الرَّغم من عدم رغبتي في المسرحيات والتمثيل حتى لو كانت أهدافها سامية، قمت بكتابة نصٍّ مناسب لما أرادوه تقديرًا لهم؛ لكن بدلاً من أن يكون في حدود ثلاثين صفحة - كما قالوا- امتدَّ ليصل مئتين تقريبًا. أخذوا النَّص ومسرحوه وسمَّوه "رحلة الأحلام"، تلطُّفًا منهم، ففازت مسرحية أهل الرياض بالمركز الأول على مستوى المملكة، وحصلتُ مع الفائزين على درع من إدارة التعليم.

الكتاب قريب من السيرة الذَّاتية، وظهر لي فيه أشياء ما كنت أدري بها، والفضل فيه لمن حرّك المشاعر والشجون....

لعل الله أن يُيسِّر فأخرجه فقد تأجَّل كثيرًا لأهمية الأعمال التي تقفز قبله كلما فكرت في أمره، وأمر غيره من الكتب الثقافية القليلة....


تحياتي

ظافر القرني

عبدالله الصقري
12-07-2005, 01:45 PM
اثناء تصفحي لموقعكم وجدت لكم كتاب اسمة (تجربتي مع التدخين من القرية إلى القرية ) فماهي هذة التجربة ؟


الصقري

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-07-2005, 03:59 PM
حياك الله أخي الصقري

ليس لي تجربة مع التدخين بالطّريقة المعروفة ولكنَّها كانت بطريقة أسوأ دفعتني لها حداثة السِّن وحبّ تقليد الكبار فيما يعملون. فكان أحد جيراننا في القرية يأخذ منا ورق الرسم الشفاف ويقسمه إلى قطع صغيرة ثمَّ يملأ الواحدة منها بالتبغ المسحوق ويدخنها أمامنا.... فقلدته لكن بورق من دفتر "أبو عشرين" وورق الشجر ولحائه؛ فكادت تكون القاضية.

لم يكن لدي أي نية أن أكتب هذه التَّجربة؛ ولكن بعد أن فرغت من كتابة قصيدة طلبها مني الدكتورين الفاضلين مسفر الدقل ويوسف سراج من كلية الزراعة بجامعة الملك سعود بحكم عملهما في اللّجنة الثقافية والاجتماعية وجدت أن لدي معلومات كثيرة عن هذه الأفة سواء في القرية أو المدينة أو الغربة (أمريكا)... فكتبتها بكل صدق.

لم أضم تلك القصيدة في الكتاب لأني كتبت أخرى تحكي القصة بشكل أفضل في مئة وعشرين بيتًا وهي مبثوثة بحسب المواضيع في ذلك الكتاب. وقد نفذت طبعته الأولى وصدرت الطبعة الثانية بحمد الله.

ومن أبيات تلك القصيدة:

اسـأل سـؤالك موقنًا بـجوابه مـا دمّر الإنسـانَ كالدخان
يـأتـي عليـه بكل داءٍ قـاتلٍ بعد الخـمول وفتـرة الغثيان
كتليّف الكبد الخطير ولوثة الـأعصـاب والجلطات والسرطان
وتلوّث الدّم واخـتلال الهضم في أحشائه وتصلّب الشّريان
وتلوّث الرئتين والبلعوم والشـ ـفتين والعيـنين والأســنان
........ إلى آخرها....

أما القصيدة الأولى فمنها قولي:

قالو المعسل لا تدري بنكهته قلنا مع السّل سرٌّ فيه مختصر

تحياتي لك أيها الفاضل

د. ظافر القرني

عبدالعزيز الغامدي
12-07-2005, 05:46 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اشكر ادارة النادي على اتاحة هذه الفرصة كما اشكر سعادتكم لبذلكم وقتكم الثمين معنا ....

سؤالي للدكتور ظافر ....

يادكتور اريد معرفة وجة نظرك في التخصصية في العلوم والمعرفة وعلى وجه الخصوص في تخصصنا القائم (نظم المعلومات الجغرافية).....الا ترى سعادتكم ان التخصص مطلوب في التعامل مع هذه العلوم من جانبين ،
الاول منهما التعامل مع هذا التخصص كصانع ومعدّ "وهو الشخص الذي يقوم باعداد نظام المعلومات الجغرافي بما يحتاجه المستخدم أو المستفيد.... من بيانات مكانية مستخدماً في ذلك انظمة التصوير الجوي والفضائي والبرمجيات الحاسوبيه وما يتطلبه التطبيق المراد تطويعة وبناءه لخدمة المستخدم أو المستفيد كما يساهم هذا الصانع أو الاختصاصي في هذه الانظمة بترتيب البيانات الاحصائية والوصفية الخاصة بالمستخدم حسب طريقة عمل هذا النظام "، وهنا ارى تسمية هذا الشخص بالمتخصص في نظم المعلومات الجغرافية.

الثاني منهما التعامل مع هذا التخصص كمستخدم أو مستفيد "وهو الشخص الذي يستخدم انظمة المعلومات الجغرافية كأداة يريد منها تلبية احتياجاته التي من اجلها لجاء لإستخدام هذة الانظمه المتخصصة في عرض وتحليل الواقع وبالتالي يقوم باتخاذ قرارات مبنية على نتائج التحليل الذي قامت بة انظمة المعلومات الجغرافية " وبالتالي فهو لا يهتم بكيفية عمل النظام ولا مصادر البيانات أو مقدار صحة البيانات المدخلة وأسباب الاخطاء فيها بقدر ما يهتم بنتائج التحليل وبنسبة الصحة النهائية لمخرجات نظام المعلومات الجغرافي أي على العكس من اهتمامنا كمتخصصين ..... ، وهنا ارى تسمية هذا الشخص بالمستخدم لنظم المعلومات الجغرافية .

وبالتالي يادكتور يوجد في أوساط العامه من الناس مستخدمين ومتخصصين في انظمة المعلومات الجغرافية !!


تحياتي ... وللحديث بقيه.

عبدالعزيز الغامدي

عزيزة الشهري
12-07-2005, 06:07 PM
السلام عليكم و رحمة الله:

كنت قد اطلعت على موقعكم و ألقيت نظرة على مؤلفاتك و أعجبت بها كثيرا لماذا ؟............................... لأنك مهندس مساحه و تمتلك حس أدبي رائع ..فأنت كاتب و شاعر و أديب و فضولي دفعني إلى سؤالك :

ماهوا الدافع و راء تألفيك بواعث الحزن عند المرأة :( .....لماذا .....هل الرجل لا يحزن...:mad:

المميزة

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-07-2005, 06:43 PM
أهلاً بعبد العزيز

سؤالك مهم وجدير بالمناقشة. وما نقوله فيه آراء تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ لأن مفهوم التخصص وعدمه يختلف من عصر لعصر ومن موضوع لموضوع. أضرب لك مثالاً. كان كثيرٌ من علماء المسلمين الأوائل مبدعين في أكثر من مجال. فالعالم منهم تجده في الحديث والفقه والتفسير واللغة والتأريخ وغير ذلك. وتجد العالم في هذه كلها أو بعضها ويعمل في مهنة شاقة لطلب الرّزق. وتجد منهم من يبحر في الرياضيات والفلك والجغرافيا وربما غيرها من المعارف الأخرى، ويأتي في كلِّ مجال بما يبهر العقول. لكن يظل هؤلاء القوم قلّة وإن كثروا قياسًا بكثرة النَّاس من حولهم.

هذا حال، والحال الآخر في طبيعة العلوم نفسها. لعلك تتفق معي أن نظم المعلومات الجغرافية ضربت مفهوم التخصص الذي نعرفه في الصميم فمحقته إلى الأبد. فقبل مدّة قصيرة لم يكن الجغرافي مهتمًّا بالمعارف الهندسية كثيرًا، وكذلك الهندسي لم يكن ينظر إلى المعارف الجغرافية باعتبار. والمهندس المدني المتخصص في غير المساحة ما كان يرى أن الخريطة مهمة له بل ربما رأها أداة تخلف بخطوط كنتورها وأشكالها. وقس على ذلك حال صاحب البيئة في الزراعة، والجيولوجي في الطبيعة، وغيرهم كثير. واليوم أيقن الجميع أن لا مناص من معرفة ما لدى الآخر حتى تكون الحلول شاملة وسليمة.

هذا النوع من واجب المعرفة يوسِّع دائرة الاختصاص وإن كان لا يلغيه. فأنا أوافقك أنَّه لا بد من التخصص ليكون التميّّز لكن السؤال هو ما قطر دائرة هذا التخصص، أيها الفاضل؟

وبعد:

الليلة هي ليلة الخميس وأنا الآن أقف بأفكاري على أطراف منتزه في الثمامة فيه وليمة أصنافها المختلفة تدلنا على أن الطَّباخ لا بد أن يكون متخصِّصًا في أنواع كثيرة من المأكولات. بعد أن أعود من مهاجمة تلك المائدة الجميلة، نواصل الحديث في هذا الموضوع الشيق.

دم بخير وعافية.


ظافر بن علي القرني

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-08-2005, 06:45 AM
قد يقول قائل أن المائدة المذكورة لم يصنعها طبّاخ واحد بل عدّة طباخين، فنقول: صحيح ولكنّهم في مكان واحد متناسقة أعمالهم ومتكاملة ومرتَّبة. ولو لم يكونوا في مكان واحد فالتكامل بينهم قائم وإلاَّ لما ظهرت تلك المائدة بشكلها الجميل كخريطة ملوّنة بديعة.

ونعود إلى ما ئدة العلم؛ فنقول إنَّ مفهوم التخصّص وحجمه يتغيران من حين لآخر. ولو نظرنا مثلاً إلى علاقة المساحة التصويرية (Photogrammetry) والاستشعار عن بعد (Remote Sensing) ببعضهما في الماضي القريب واليوم لبان لنا هذه المفهوم بشكل واضح. فرغم المشتركات الكبيرة بينهما، ما كان علمٌ منهما يلتفت لآخر، بل رأينا تنافرًا بين أصحاب هذا العلم وهذا العلم حتّى أن أحدهما ربما أنتمى إلى قسم والآخر إلى قسم آخر في كثيرٍ من جامعات العالم. فانظر لحالهما اليوم لقد جعلتهما التقنية يتدانيان إلى حدٍّ الاتحاد تقريبًا؛ فالصورة أصبحت ذات هيئة واحدة، والمعالجة تستخدم نماذج رياضية واحدة، والمخرجات تتقارب في الدّقة وإن بقي بعض الفوارق المهمة بطبيعة الحال. إن من كان يستطيع في بداية الثمانينيات الميلادية الماضية أن يقول المساحة التصويرية شيءٌ والاستشعار عن بعد شيء آخر لا يستطيع أن يرفع صوته بنفس الحدِّة في يومنا هذا. فلو تخصص أمرؤٌ اليوم في أحدهما ولم يهتمَّ بالآخر لأصبح تخصصه منقوصًا. هذا مجرد مثال آخر للتتَّضح الصورة وإلاَّ فالأمثلة كثيرة في كلّ حقل من حقول المعرفية .


فالذي أراه أن التّخصص ضرورة لابد منها؛ ولكنّه تخصص منفتح على الرَّوافد القريبة منه التي تغذّيه ويغذّيها. وقد تزيد هذه الروافد أو تنقص بحسب قدرات النَّاس ومواهبهم التي منحهم الله إياها (وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم).

أمَّا ما ذكرت أن هناك متخصصًا ومستخدمًا فهذا صحيح؛ والمستخدم هو الذي لديه قدرة في توظيف التقنية بشكل جيد ولذلك تجد لدينا معاهد تقنية كثيرة تابعة لتخصصات مختلفة. وقد يتلاشى الفاصل بين المتخصص والتّقني إذا ما استطاع المرء أن يتقن العملين بمهارة جيدة....

آمل يا عبد العزيز أن أكون أضفت شيئًا مفيدًا .... ويبقى المجال مفتوحًا لكل إضافة مفيدة منك ومن القراء جميعًا. لك ولهم تحياتي وتقديري.

ظافر بن علي القرني

الخميس 6/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-08-2005, 07:22 AM
شكرًا للمميَّزة على إطرائها، وأنا سعيد أن تجد موقعي كما قالت.... وإن كان ما يعلمه المرء لا يذكر مقابل ما يجهله؛ أسأل الله أن يزيدنا وهي من العلم النًَّافع.

كما أشكرها على هذه اللَّفتة المهمة والسؤال السَّليم. والله إنِّي أخشى أن استطرد فأقول هذا الكتاب دفعني إلى تأليفه فلان، وهذا فلان، وهذا فلان ... إلى أن نفتح نوافذ شكوكٍ وظنونٍ لا جدوى منها. ولكن ستجدين السبب مذكورًا، إن شاء الله، في مقدمة الكتاب إذا صدر فهو منتهٍ من مدّة ليست قصيرة.

ولقد قوبلت في البحث بهذه المشكلة التي ذكرتِ فكنت أرى الباعث الواحد يصح في حال الرّجل والمرأة معًا؛ فأذكر ذلك؛ أو أركِّز على حال المرأة فقط لما عرفته عن تبعثرها في الغرب، وعن اتساق حياتها في الإسلام رغم ما تجده من مصاعب في بلاد المسلمين في عصرنا هذا.

لك تحياتي


ظافر بن علي القرني

الخميس 6/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-09-2005, 11:09 AM
بقي لدي الكثير في هذا الموضوع المهم ولعلنا أن نأتي على بعضه في هذا الحوار من خلال النِّقاش والتَّداول؛ ولكنِّي أشير إلى نتيجة أردت الوصول إليها، هي أن من يريد التخصّص في نظم المعلومات الجغرافية يلزمه استرفاد ما سبقها من علوم وتقنيات في تخصصات مختلفة كالجيوديسي، والمساحة التصويرية، والاستشعار عن بعد، والكارتوقرفي، والجغرافيا ....... وغيرها لأن نظم المعلومات تقوم عليها علمًا وتقنيةً. بهذا أصبح المتخصص، أمس، في علم واحد من هذه العلوم، متخصصًا اليوم بقدر معلوم، في عدد منها، ولا مناص له من ذلك....

وإنِّي لأدعو الأخوة والأخوات الذين يتسآلون عن تنوع الهموم التّخصصية (عبدالعزيز، وحمود، والصقري، والمتميّزة.... وغيرهم) أن يطَّلعوا على قصيدةٍ فيها شيءٌ من هذه المعاني نُشرت في جريدة المدينة (ملحق الرسالة) اليوم الجمعة (7/11/1426هـ ، 9/12/2005م)، فلعلَّهم أن يجدوا فيها ما يفيد وأن يرفدونا بما لديهم من رؤى قد تتفق أو تختلف مع ما جاء فيها.

تحياتي

ظافر بن علي القرني

الجمعة 7/11/1426هـ

سلطان السبيعي
12-09-2005, 10:54 PM
أ.د ظافر القرني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرةً أُخرى

وها أنا أتطفل بالرد ثانيةً كما وعدتك مُسبقاً..وذلك كي نستفيد من بحر علمكم ماشاءالله ولو قطرة...

سؤالي لك..كدكتور أكاديمي في جامعة الملك سعود..

ما رأيك حالياً فيما يُقدم في قسم المساحة من خطةً دراسية في تعليم المساحة؟

وما رأيك في وجود مادة واحدة فقط في تعليم مبادئ نظم المعلومات الجغرافية..ألا تجدها قليلة جداً على هذا العلم؟
..
أما عن سؤالي الآخر:
أنا حالياً امتلك الكثير من المعلومات في نظم المعلومات الجغرافية,ولكن أكثرها بشكل نظري,كيف استطيع أن أطور نفسي بالتعامل مع هذا العلم ,وبرامج هذا العلم؟ وتعلمون بوجود ندرة في الدورات المقدمة لهذا التخصص..وأن وُجدت دائماً تكون مرتفعة الثمن؟
..
أما سؤالي الأخير:
ظافر القرني:
أستاذ.دكتور- شاعر- أديب - مؤلف - كاتب.
أين تجد نفسك كثيراً؟
..
وشاكر للإدارة وضعها لهذا اللقاء الرائع..
وأعتذر إن كُنت قدّ أثقلت عليك د- ظافر بالأسئلة ...
وشاكر لك مُقدماً..

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-10-2005, 06:58 PM
أهلاً بالمهندس سلطان السبيعي وبأسئلته المهمة التي تدل على سعة أفقه وحرصه على زيادة الوعي المساحي الهندسي من قبل المهتمين بنظم المعلومات الجغرافية. وسأتناول اسئلته بحسب ترتيبها؛ وأولها خطة الهندسة المساحية في جامعة الملك سعود.

فأقول الخطة بصفة عامة، من وجهة نظري، بين الجيد والجيد جدًّا فلا ترقى إلى الممتاز ولا تهبط إلى السيء من الخطط. ولهذه المنزلة بين المنزلتين أسباب كثيرة أحاول أن أبينها أو أبين بعضها بقدر المستطاع.

وقبل أن نشرع في سرد بعض المؤثرات العامة على الخطط الدِّراسية ومنها خطة الهندسة المساحية، أشير إلى أن عدد ساعات الدِّراسة (أو وحداتها) تقلَّص كثيرًا منذ أن كنَّا طلاّبًا إلى اليوم؛ فنقص من مئتين وحدة أو يزيد إلى مئة وخمسة وسبعين وحدة، إلى مئة وستين وحدة. ولو كان الأمر بيدي لجعلتها مئة وخمسة وأربعين وحدة أو أقل بقليل ليس للمساحة فقط بل لكل التخصصات الهندسية. إذن الوحدات الدِّراسية لا زالت كثيرة رغم ما حصل لها من تقليل ملحوظ. هذا هو الأمر الأول وله أسبابه.

الأمر الثّاني، أن العربي بصفة عامة من أشد النَّاس تشبُّثًا بالماضي، وإن صح هذا التَّشبّث وحُمِد في جوانب معلومة من الحياة، فإنَّه في التقنيات التي نعيشها لا يصح. فقد ترانا رغم تعلقنا بما يستجد من تقنيات نحنُّ إلى القديم منها، ويعزّ علينا أن نحذفه من الخطة ... وهذا وفاء نادر حتى للجمادات أيها الفاضل.

الأمر الثالث أن الخطة المنهجيّة لا تقوم بأعضاء هيئة تدريس من حملة شهادات عليا، وبقررات دراسية كثيرة فحسب، بل يلزمها معامل مجهزةً تجهيزًا جيدًا، وقابلة للتَّجديد، ويلزمها مشغِّلون مهرة، ويلزمهامعيدون متميزون، وسكرتارية مدرَّبة وكلّ هذه شؤون أمَّا مفقودة أو شبه مفقودة في البرنامج. وفقد مثل هذه القدرات يشتّت الجهد الذي يبذله عضو هيئة التدريس، ويضعف مقدار التحصيل لدى الطالب دون ريب.

الأمر الرَّابع هو العنت العظيم والتأخير الكبير المصاحبان لمحاولة تجديد الخطة حيث تشتبك الأهواء مع القرارات وتظل في صراع دائم إلى أن تصبح الخطة المحدَّثة بحاجة إلى تحديث قبل أن تطبَّق. وهذه أمر علاجه متعذِر على المدى القريب.

الأمر الخامس هو انقطاع الإبتعاث لما يقارب عقدين من الزّمان وهذا أمر ينذر بخمود كثير من الأقسام العلميّة بعد سنوات قليلة كون تقاعد أعضاء هيئة التّدريس سينصب عليهم مرةً واحدة تقريبًا. هذا إذا سلموا من حوادث السيارات التي تتخطّف النّاس صباح مساء في شوارعنا العامرة.


ومع كثرة هذه المعوقات وخطورتها، فالخطة متماسكة إلى حدٍّ لا بأس به، وهي أفضل الموجود في دول الخليج العربي واليمن، وما تزال متطلِّعةً إلى الأفضل دائمًا.

لك وللقراء تحياتي وتقديري

ظافر بن علي القرني
السبت 8/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-10-2005, 08:50 PM
]سؤال المهندس سلطان الثاني يقول هل يكفي مقررٌ واحد لنظم المعلومات الجغرافية؟

الجواب: لا يكفي بأي حالٍ من الأحوال. ولو أخذت خطتنا في الهندسة المساحية بجامعة الملك سعود مثالاً، لوجدتنا نعطي كلَّ تخصص من المساحة الأرضية، والجيوديسيا، والمساحة التصويرية والاستشعار عن بعد، بين ثلاثة إلى خمسة مقررات ونعطي نظم المعلومات الجغرافية مقررًا واحدًا؛ وهذا حيفٌ عظيم.

ونحن متنبّهون لهذا؛ ولكن التَّعديل لا يحصل بيسر كما ذكرت في جواب الخطة الدّراسيّة السَّابق. ولو كان الأمر بيدي لجعلت أقل عدد ممكن من المقررات لهذه النظم في الخطة ثلاثة متتالية: أولها، مدخل شامل، وثانيها، عن قواعد المعلومات فيها، وثالثها تطبيق وممارسة على مشاريع مختارة.... ولا يُظن أن هذه كثيرة.[/align]

تحياتي

ظافر بن علي القرني

السبت 8/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-10-2005, 09:25 PM
سؤال المهندس سلطان الثّالث يقول: أنا حالياً أمتلك الكثير من المعلومات في نظم المعلومات الجغرافية,ولكن أكثرها بشكل نظري,كيف استطيع أن أطور نفسي بالتعامل مع هذا العلم ,وبرامج هذا العلم؟ وتعلمون بوجود ندرة في الدورات المقدمة لهذا التخصص..وأن وُجدت دائماً تكون مرتفعة الثمن؟

الجواب

إذا حصل المفهوم النظري السَّليم، كان من السهل بإذن الله الحصول على المعرفة التَّطبيقية لأسباب أشملها في التَّالي:

1. التّطوّر المستمر في البرامج التطبيقية والحرص من قبل مصنعيها على تيسيرها وجعلها ممكنة التّعلم ولو بجهد شخصي.

2. تداني هذه البرامج من بعضها بشكل كبير فإذا ما أصبحت ذا خبرة في واحدٍ منها أصبحت على مقربة من الثّاني بشكل تلقائي.... وسيزيد هذا التّداني في المستقبل القريب بشكل كبير.

3. ....

وعلى هذا أيّها المهندس الفاضل، يلزمك أمران مهمان هما: العلم والصبر؛ العلم بأنَّ هذه البرامج ليست معقدة كما يظهر من طريقة المتعاملين معها. و الصبر في تعلمها ولا يكون ذلك إلاَّ بالتجربة والمحاولة بعد المحاولة وتتبُّع خطوات العمل من دليل تلك البرامج، وسؤال من له خبرة سابقة فيها.

وإذا تيسرت دورات تطبيقية محضة فلا بأس بها، ولا تلزمك كثيرًا الدورات التي تنقسم إلى نصفين نظري وعملي كونك على معرفة جيدة بالجانب الأول منها.

ولو بقي المرء يأخذ دورات حتى تخرج الشمس من مغربها دون أن يمارس بيده ويخطئ ويصيب ما حصلت الخبرة التي ينشدها.

ولي في هذا الأمر تجربة تخبرنا عن قلة صبرنا لعلّي أعود إلى الموضوع فأذكرها.


تحياتي لك وللأخوة الأعضاء وضيوف الموقع

ظافر بن علي القرني

السبت 8/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-10-2005, 10:18 PM
يقول المهندس سلطان في سؤاله الرَّابع: ظافر القرني: أستاذ.دكتور- شاعر- أديب - مؤلف - كاتب. أين تجد نفسك كثيراً؟

الجواب. شكرًا لك على حسن ظنَّك بي. والله يا سلطان ما تقدَّمت يومًا في هذه الحياة إلاَّ ورأيتُ من جهلي ما لا أستطيع وصفه لك؛ ولكنِّي أجد نفسي في العمل الذي بين يدي، فإذا ما أنتقلت إلى غيره وجدت نفسي به أيضًا. ويبقى القصور ملازمًا لما نعمل ولو تعدّدت المواهب. وأنا لا أنظر إلى التخصصات بالعين التي تريدنا هذه التخصصات أن ننظر إليها بها. وقد كتبت في قصيدة "يا صاحب العمران" المنشورة في أحد دواويني وأظنَّه "خمولٌ في زمن الازدهار" أبياتًا منها:

يا صاحب التصحيح هذي صيحةٌ في عـالم التعليم تصـحيـحية
ما أوهـن التـعـليم إلا فـصـلنا الـدُّنـيـا إلى علـمية أدبـية
وبناؤنا أعتى الحـواجـز بـيـنها بالجهل والإمعـان في القطعية
حتى إذا مـا فُتِّـحـت أبـصـارنا ومـضت علـينا السنة الأزلية
وتطوَّرت سـبل الحـياة وفهمها وتـقاربت في النهـج والآلـية
فـإذا براعي الجـانب العـلميِّ تلزمه شـؤون الجملة اللغـوية
وإذا براعي الجـانـب الأدبـيِّ يحسـبها فتـأتي عـنده ملوية
لا ذاك أدرك مـا يريـد بنهجه أبدًا ولا هـذا حمى العـربية


إلى آخر القصيدة التي بلغت مئة بيت أو زادت على ما أذكر.

بارك الله فيك فقد أثرت بعض الشؤون والشجون، كما فعل بعض الأخوة والأخوات في هذا اللّقاء الماتع الذي استفدتُ منه كثيرًا.


ظافر بن علي القرني

السبت 8/11/1426هـ.

عبدالله الصقري
12-13-2005, 08:08 AM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذي الفاضل

هل نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد أدوات بيد الباحث ام تخصص مستقل وعلم قائم بحد ذاته

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-13-2005, 02:23 PM
يقول الأستاذ الصقري: هل نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد أدوات بيد الباحث أم تخصص مستقل وعلم قائم بحد ذاته؟

الجواب:

السؤال سهلٌ صعبٌ لاختلاف مفاهيم النَّاس ورؤاهم. ويمكننا القول: هما علم لصاحب العلم، أدوات أو تقنية لصاحب التقنية حتى نرضي كلَّ الأطراف. وهذا ما قلته في ملتقى نظم المعلومات في الخبر الشهر الماضي. وعندي أن ما من علم إلاَّ وله تقنية، وما من تقنية إلاّ ولها علم. ولا بد أن نعلم أن العلم يحمل في أحشائه تقنية، والتقنية تحمل في أحشائها علمًا. وعلى هذا فالتقسيم لا يعني شيئًا في الحقيقة.... فهما لكل فردٍ يعمل فيهما علم وتقنية شاء أم أبى. ويبقى السؤال المنطقي هو: كم يأخذ هذا الفرد أو ذاك من علمها وتقنيتها. وقد سبق أن قلت شيئًا مثل هذا في موضوع طرح في هذا النَّادي إذا وجدته أشرت إليه.

آمل أن أكون اقتربت من الحقيقة.

تحياتي

ظافر بن علي القرني

الثلاثاء 11/11/1426هـ

فهد الأحمدي
12-13-2005, 09:37 PM
أشكر أستاذنا الدكتور ظافر على تلبية الدعوة ونسأل الله له التوفيق والسداد
وأتمنى من الدكتور ظافر أن يبدي لنا رأيه - وهو محل اهتمامي الشخصي- في موضوع دخول غير المختصين - من أمثالي - في هذه العلوم الحديثة -نسياً - وأقصد علوم الاستشعار عن بعد و علم نظم المعلومات الجغرافية واستفادتهم منها في تخصصاتهم المختلفة كأدوات تسعادهم على إنجاز أعمالهم.

وما هي نصائحه وتوجيهاته لغير المختصيت في هذا المجال في حال رغبتهم الدخول فيه والاستفادة منه

وما هو تقييم الدكتور ظافر وملاحظاته -في هذه المرحلة الراهنة- على مشاركات وتجارب غير المختصين في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد من خلال اطلاعه على إنتاجهم العلمي.


لعل الإجابة على هذ التساؤلات تقودني إلى عدة تساؤلات أخرى سأحرص على أن أقتصر على اثنين منها

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-14-2005, 12:05 PM
شكرًا للأستاذ فهد الأحمدي على تواصله مع هذا النادي "النواة" وعلى مشاركاته المركّزة المفيدة. ويسعدني أن نتحاور حول التّساؤلات التي ساقها، وأوّلها: "ما رأيك في دخول غير المختصين في العلوم الحديثة نسبيًّا (الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية) واستفادتهم منها في تخصصاتهم المختلفة كأدوات تساعدهم على إنجاز أعمالهم"؟

الجواب: لا أرى في دخول غير المختص في الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية إليها بأسًا إذا كان يعلم ما يريد، ويعلم كيف يحصل على ما يريد، بل إنَّني أرى الدخول إلى هذه التخصصات من غير المختصين فيها مؤشّر ذكاء وفطنة. ولهذا الرأي أسبابٌ، يكفينا منها هنا واحد نورده. أما ترانا نبحث في تخصصاتنا المتقاربة عن المعلومات المتناثرة في الطبيعة بمختلف أشكالها لنلمَّ بها ، ولنستخدمها في حلول ما ينجم من مشكلات، و في توفير ما يراد لنا توفيره من خدمات متنوَّعة كثيرة. أفليس من الحكمة أن نبحث عن تقنيات تمكننا من جلب هذ المعلومات إلى مكاتبنا لننظر إليها كلها في آن واحد، ونأخذ منها لبعضها، وننقحها، ونعالجها، ونستنتج منها ما نريد؛ فنكون بذلك وفرنا على أنفسنا كثيرًا من الجهد المبذول في الميدان، وكثيرًٍا من المال الذي ينفق في جمع معلومات يمكن الحصول عليها بتقنيات متقدّمة جيدة؟ أعلم أن العاقل لن يجيب بغير: "بلى إن من الحكمة فعل ذلك".

ويمكنني يا فهد أن أقول بطريقة أخرى: إن المرء إذا أتقن عملاً ما ظهرت له فيه ثغرات فيسعى إلى سدّ هذه الثغرات. وهذه السعي يقوده إلى تخصصات أخرى فلا تثريب عليه، وهو في سعيه مأجور بإذن الله، بل هذا الذي ينبغي عليه عمله، مادام يشعر أنَّه أهلٌ لذلك. ولا يفعل ذلك إلاَّ مبدع. أمَّا أن يحصر نفسه في مجال ضيّق ويرى أن حلول مشاكل النَّاس لا تكون إلاَّ من خلال هذا التخصص الذي حصر نفسه فيه، فهذا جهلٌ عميق.

إذا صح هذا يبقى تفاوت القدرات في الأخذ من هذه المعارف والتقنيات الجديدة؛ فواحد يوفقه الله إلى الدخول إليها من بابها، ويفلح في استثمار الوقت والمال في إتقان ما يمكنه إتقانه منها، ويبدع فيها إبداع أهلها المتخصصين وربما فاقهم. وواحدٌ يحوم حول الحمى ولمَّا يستطع دخوله بعد. وآخر لم يسمع في هذا الحمى ولا يريد أن يسمع به أصلاً.... وللنَّاس فيما يعشقون مذاهب.


هذا مدخل يقودنا إلى سؤالك الثاني بحول الله. دم بصحة وعافية ... والسلام عليكم.

ظافر بن علي القرني

الأربعاء 12/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-14-2005, 11:33 PM
يقول الأستاذ فهد في سؤاله الثاني: ما هي نصائحك وتوجيهاتك لغير المختصين في هذا المجال في حال رغبتهم الدخول فيه والاستفادة منه ؟

الجواب: إذا كانت الهواية، وصحت العزيمة فخير ما يبدأ به هو دراسة ما أمكن من مقررات مقدمة في هذين العلمين. ومقرراتها بصفة عامة محدودة، ولا يتهاون في هذا حتّى لو لم يأخذ غير مقرر واحد في كلّ مجال. هذا الأمر من وجهة نظري مهمٌ جدًّا لبناء الأسس العلمية التي تبدأ بعدها نشاطات المتعلِّم في البروز. فتراه لا يترك فرصة علمية مواتية سواء كانت دورة أو ندوة أو مؤتمر أو تدريب دون أن يكون في أول الصفوف. وتراه يحرص على الاطلاع على ما يستجد أو بعض ما يستجد من معلومات في مجاله الجديد، يحرص على أن يتواءم عمله مع علمه الذي يريد أن يشرع فيه، ويحرص على أن يكون من حوله ممَّن يشاركه هذا الهمّ أو يؤيده على هذا التَّوجّه. إذا سعى إلى تحقيق هذه الأهداف بقدر ما يستطيع، أمكنه أن يسهم بكلِّ ما هو مفيد خصوصًا أن لديه روافد علمية أخرى جلبها من تخصصه أو تخصصاته السَّابقة.

وأود أن أركّز قليلا على أمرين مهمين ممَّا سبق، هما: القراءة، والبيئة. فأحسن ما يكون من القراءة ما يعتمد على الكتب المعتمدة في التخصص. فإذا قلت: عليه أن يدرس مقررًا، فالمقصود أن يدرس كتابًا مختارًا على يد متخصص. ولا ريب أن من مشاكلنا الكبيرة في العلم والتعليم البعد عن الكتب واللجوء إلى غيرها من بدائل يشوبها ما يشوبها من نقص. إن أصل مرض التعليم لدينا - وهو مريضٌ فعلاً- يكمن في عدم معرفتنا قيمة الكتاب، وكيفية التعامل معه.

أمَّا أثر البيئة المحيطة على المرء فخطيرٌ جدًّا. أما ترانا لا نجد من يجالس أهل الشرع إلاَّ متحدِّثًا، جلّ وقته، في مسائلهم الشّرعية، ولا نجد من يجالس أهل اللّغة إلا متكلّمًا في مسائلهم اللّغوية، ولا من يجالس أهل الجراحة في الطِّب إلاَّ متحدّثًا عن العمليات الجراحية، ولا من يجالس أهل الفن إلاَّ متحدِّثًا عن فنونهم ودنونهم؛ فبالمثل تقاس بقية الهموم الأخرى كافة. فيأخذ المرء من شرع الله ما لا تقوم الحياة إلاّ به، على أقل تقدير، وليركب في سفينة تخصصه، قائلاً: باسم الله مجراها ومرساها.

للحديث صلة.

لك وللقراء تحياتي

ظافر بن علي القرني

الخميس 13/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-15-2005, 01:11 PM
يقول الأستاذ فهد الأحمدي في سؤاله الثالث: ما هو تقييم الدكتور ظافر وملاحظاته -في هذه المرحلة الراهنة- على مشاركات وتجارب غير المختصين في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد من خلال اطلاعه على إنتاجهم العلمي.


الجواب: من المعلوم أن نظم المعلومات الجغرافية ما أخذت في النهوض إلاَّ في الثمانينيات الميلادية من القرن المنصرم، ولو قلنا في النّصف الثاني منه لكان الكلام أكثر دقّة. وعلى هذا فكثيرٌ من المتخصصين المجيدين فيها اليوم في العالم كلّه تخرجوا في جامعاتهم قبل هذا التأريخ، أي أنَّهم لم يدرسوها دراسة متخصصة بمفهومنا السّائد، فيمكن أن يُقال لهم: "أنَّهم غير متخصصين"؛ ولكن الواقع يقول غير ذلك. فالمحك الحقيقي هو أمر غير التخصّص وسنأتي له بعد قليل في هذه الأسطر. نعم من النَّاس من دلف إلى نظم المعلومات الجغرافية من قرب، ومنهم من دلف إليها من بعد ... والميدان يسع الجميع والعبرة بما يُقدَّم لا بما يُقال.

ونظم المعلومات الجغرافية ووقبلها الاستشعار عن بعد كالأخطبوط له في كلّ إتجاه ذراع، فلا يظن من مسك بذراع منه في البحر أن غيره ليس قابضًا على ذراعه الآخر وبقوة. ولا يتفاجأ أحدٌ من القابضين عليه إذا ما تفلَّت منه لخصائص غريبة في تكوينه.

من هنا نقول إن المرء إذا استطاع أن يترقّى بنفسه في مدارج العلم بطرق منها ما ذُكر في إجابة السؤال السابق، كان من المتخصصين في علمه بقدر ما لديه من معرفة فيه.

والمعيار الحقيقي هو المقدرة على الإبداع. والإبداع لا يحصر على المتخصصين في مجال ما، حسب مفهومنا للتَّخصّص، بل قد يأتي غير المتخصص بالعجب، ويبقى المتخصّص خامل الذكر. ولو كانت الإبداعات رهينة التخصص ما كنَّا ننعم بكثير من معطيات التّقنية اليوم. ولعلّك توافقني أن من وجدت لدية الرّغبة في حقل من حقول المعرفة، ثمَّ سعى إلى تنمية قدراته فيه ولو بجهد ذاتي، فاق من تخصَّص فيه وهو مدفوعٌ إليه من غيره. والشّواهد على ما تقدَّم من قول كثيرة قد لا يكون من المناسب الاستطراد فيها.

وإذا كنت يا أخي فهد ترى نفسك من غير المتخصصين في مجال نظم المعلومات الجغرافية وروافدها، فإبداعاتك التي بدأت تدلف إلينا من هنا وهناك لا تؤيد هذا الإحساس؛ فسر على بركة الله في سبيل تقنية هي من أمتع التقنيات التي ابتكرها هذا العقل البشري المذهل الضعيف.


إلى اللّقاء...

ظافر بن علي القرني

الخميس 13/11/1426هـ.

فهد الأحمدي
12-16-2005, 01:31 AM
أشكرك دكتور ظافر على تجاوبكم معنا وإجابتكم على تسؤلاتنا لدي العديد من الإسئلة أتمنى أن يتسع لها صدرك ووقتك. فأتنم من الخبرات الأكاديمية في بلدنا الحبيب نسال الله أن يبارك في جهودكم وينفع بكم .

ألاحظ أن المستوى التحصيلي للطالب الجامعي في تدني مستمر بصفة عامة فالتحصيل العلمي للطلبة الذين تخرجوا قبل عشر سنوات أفضل (بصفة عامة) من خريجي هذه السنة مثلاً
فإن كانت ملاحظتي صائبة - فمن خلال خبرتكم الأكاديمية
1 - ما هي الأسباب المؤدية لذلك
2 - وما هي توجيهاتكم والحلول التي تقترحونها لأبنائكم الطلاب

لعل الله أن يكتب على أيديكم الدواء الناجع الذي يسترشد به أبناؤكم الطلاب.

وتقبلوا خالص تحياتي وتقديري وامتناني

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-17-2005, 03:34 PM
تفضل الأستاذ الأحمدي بسؤالين جديدين قصيرين، الإجابة عليهما هي من أصعب الإجابات وأطولها. وهذه الصعوبة لا تمنعنا من أن نجتهد، ويجتهد غيرنا في تقديم ما يراه مفيدًا عسى الله أن ينفع به. ولا يزعم أحدٌ أن فيما يقوله الحل النّاجع لمشكلة لا يزيدها كرّ الأعوام إلاَّ تعقيدًا، بكلّ أسف.

يقول الأحمدي: "ألاحظ أن المستوى التحصيلي للطالب الجامعي في تدني مستمر بصفة عامة فالتحصيل العلمي للطلبة الذين تخرجوا قبل عشر سنوات أفضل (بصفة عامة) من خريجي هذه السنة مثلاً . فإن كانت ملاحظتي صائبة - فمن خلال خبرتكم الأكاديمية:

1 - ما هي الأسباب المؤدية لذلك؟
2 - وما هي توجيهاتكم والحلول التي تقترحونها لأبنائكم الطلاب؟

نقول وبالله التوفيق: إن العقل البشري مهيأٌ للعلم تهيئةً عظيمةً من الله جلّ في علاه؛ فهو يوائم العلم والعلم يوائمه ولا ريب في ذلك. فالمشكلة، إذن، تقع منَّا نحن البشر في تصعيب مسائل العلم وتعقيدها، وجعلها أولى عقبات الحياة التي تقابل الإنسان بعد أن يبدأ بمعرفة اسمه. طرأت لي هذه المقدِّمة المهمة جدًّا وأنا أفكر في طريقة أتناول بها أسئلة الأستاذ فهد إذ الخيارات أمامي كثيرة. وما فتح لي هذا الباب منها إلاَّ سؤال طفلٍ صغير قد يكون في المستو ى الثالث أو الرابع الإبتدائي، حيث قال متوسِّمًا في الخير: ما معنى فعل مضارع مرفوع بالضمة؟. قلت: مضارع أظنّها تعني الحاضر الذي قد يمتد إلى المستقبل، وأمَّا الضمة فهي الواو المصغرة التي تكتب على آخر حرفٍ في الكلمة، وأما مرفوع فما أدري؛ ولكن قسها بمجرور وعلامة جره الكسرة، وبمنصوب وعلامة نصبه الفتحة. والظّاهر يا أيها الصغير: أنَّ العلماء المعنيين بهذه العلوم اتفقوا على هذه المصطلحات، فأخذت عنهم، وصارت متداولة مفهومة إلاَّ لي ولك.

سكت المسكين من كثرة الكلام، وكأنَّه يقول الله يعينك على ما أنت فيه؛ ما دمت تعاني فأمري سهلٌ.

ولقد سبق أن تعرَّضت لسؤال أشد من هذا، فقال لي أحد الصغار الذي قد يزيد بعام عن سابقه: "ما الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الرّبوبية؟ قلت: الإله واحد، والرَّب واحد، وله، جلَّ في علاه، أسماء وصفات أخبرنا بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلّم ولا فرق بينهما. قال: لا بينهما فرق. وفتح الكتاب، فقرأت الفرق وفهمته حال قراءته، ونسيته بعد أن أغلقت الكتاب بقليل. قلت للطّفل حاول أن تركّز عساك أن تفهم.

المقصود أنّنا نصعِّب العلم، فنأتي ينتائج أبحاث لعلماء أجلاَّء قضوا فيها وقتًا طويلاً، ثمَّ نقذفها على هؤلاء الصّغار، فتبدأ بهم الإعاقة العلمية، ويدلفون الى الجامعة معاقون وإن رأيتهم أسوياء. للحديث صلة بعون الله.

أ. د. ظافر بن علي القرني

السبت 15/11/1426هـ

سم سمةً في الأرض تحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمة

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-19-2005, 09:47 PM
هذه دلائل من الكتب التي نسمّيها أدبية. فإذا مأتينا إلى الكتب العلمية، زاد الأمر سوءًا؛ ولي في ذلك وقفات قد لا يكون هذا هو مكانها المناسب. وعلى هذا فكثيرٌ من معلومات الكتب المدرسية ما هي إلاَّ فوادح أولى تفدح عقل الطّالب قبل أن يشتدّ عوده. وإذا تبعثرت أفكاره وهو صغيرٌ فلا تأمّل منه أن يناسقها بشكلٍ جيد بعد أن يكبر لأنَّ العمر أقصر من أن يأذن له بذلك، ولأنَّ المهام تزيد أمامه فلا تمهله ليعود إلى ماضيه فيصححه. وكلنا يعلم أن الكتاب المدرسي هو أهم مقومات المنهج في التعليم. وإذا كان الخلل فيه كامنًا، رغم الاهتمام به، فمن باب أولى أن يطول كمون الخطأ في غيره من الوسائل التعليمية التي لا تحظى بمثل ما يحظى به من الاهتمام والمتابعة.

هذا هو المنهج العبء رغم ما يزخر به من الجمال.

أما المقوم الثّاني من مقومات التّعليم - من غير ترتيب - فهو الطالب. والطالب حاله غريب بين الماضي والحاضر. لقد كان في الماضي قابعًا تحت طائلة عنف الأستاذ في أغلب مدارسنا، وفي الحاضر استطاع أن يُدخل الأستاذ معه تحت هذه الطائلة؛ فهما يدوران في فلكها معًا. وهذا أمرٌ طبيعي كان لا بد من حدوثه؛ فلا يمكن أن يُمتهن الطّالب ولو بالإهمال لسنواتٍ طويلة، ثمّ لا يمتدّ هذا الإهمال إلى من حوله ولو بعد حين. أقول باختصار شديد: لم تكن العلاقة بين الطّالب ومدرسه سويَّة لا في الماضي ولا في الحاضر، ولعل علماء النَّفس الشرعيين أقدر على التَّدخل في هذه العلاقة وسبر أغوارها، والخروج لنا بوسيلة تجعلنا في حالةٍ وسط بين النّقيضين.

ولو نظر نا في حياة أطفالنا من حولنا، لرأيناهم يعيشون حياة أطفال العالم كلِّها بتناقضاتها الكثيرة وهم لم يبرحوا بلدهم. فالطُّفل ينشأ وهو محاطٌ بألعاب جُلبت من جميع أقطار الأرض لا تفيده في شيء؛ أكثرها يعلمه العنف، والكلام البذيء، والسّخرية من النّاس، وهدر حقوقهم، والعبث بمقدراتهم. فكيف بالله نرجو من جيل هذه هي حياته أن يكون قابلاً للتّعلّم والتّعليم بعد سنواتٍ قليلة. ...... للحديث بقية.

أ. د. ظافر بن علي القرني

الأثنين 17/11/14268هـ

سم سمةً في الأرض تُحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمة

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-20-2005, 06:43 PM
تكلمنا فيما مضى عن ركنين مهمين من أركان التّعليم هما الكتاب والطّالب. وقلنا في الثّاني منها، ما معناه، أن حياة الطالب مع مدرسته حياة يشوبها ما يشوبها من جهل، فالمدرسة أصبحت له ولمعلمه بمثابة السجن إن لم تكن أشد. والظّاهر أن الطّالب لا يعرف ما له وما عليه من حقوق، وربما جهل ذلك المعلم قبله.

ونحن نطرح هنا رؤية عامة لا تلتفت إلى الاستثناءات القليلة، إذ أن هناك من المعلمين من هو على قدر عالٍ من المسؤولية، وهناك من الطّلاب الذي تتمنّى أن كلّ طلاّب المدارس مثله.

والآن نواصل الحديث مركزين على الركن الثالث من أركان التعليم ألا وهو المعلم. لقد أصبحنا اليوم في وضع نتبادل فيه الاتهامات دون طرح الحلول النّاجعة؛ فترى أهل التعليم العام يحاولون أن يلقوا باللأئمة على الجامعات لضعف المعلمين، والجامعات بدورها تقول هذه بضاعتكم رُدت إليكم. ودون الخوض في هذا الجانب فهو لا يجدي، نقول إن المعلّم لا يرى في حياته ما يجعله يُحسّن من مستواه، فهو إن بذل وأعطى كان كمن لا يبذل ولا يعطي سواء بسواء. فما الفرق بين المعلم الذي يستطيع أن يقرأ بلغةٍ سليمة، والمعلم الذي لا يستطيع قراءة سطر من كتاب ولو بلغةٍ مكسّرة؟ وما الفرق بين المعلّم الذي يعرف يكتب، والذي لا يعرف؟ بل ما الفرق بين المعلّم الذي يستطيع أن يربّي والذي لا يستطيع ولا يريد أن يستطيع؟ وما الفرق بين المعلّم الذي يسعى لتطوير نفسه والذي لا يسعى؟ لا ريب أنَّهم إخوان في الله وفي المدرسة؛ ..... وهذا سحق للعملية التّعليميّة والتربوية ومحق لها لن تقوم بعده، مهما بُذلت الحلول التّجميلية التي لا تعالج القضية من أصلها.

إذن لا بد أن تكون مكافأة النَّاس بحسب ما يبذلون بقدر المستطاع، وأقصد بالمكافأة الرَّاتب. وما يقال عن المدارس يقال عن غيرها من القطاعات الوظيفية الأخرى بما في ذلك الجامعات. بهذا يكون التّنافس الذي يقود إلى العطاء وإلى الرّقي بالأمة، وبغيره يبدو أننا نضرب في مهامه ليس بها أيات بينات يهتدي بها العابرون.

تحياتي للجميع ، وما زال الحديث متّصلاا.


أ. د. ظافر بن علي القرني

الثلاثاء 18/11/1426هـ

سِم سِمةً في الأرض تُحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سِمسمةْ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-21-2005, 05:12 PM
تكلمنا، من منظورٍ معين، عن مقومات التّعليم الثلاثة: الطالب والمدرّس والمنهج. وقصرنا النّقاش في المنهج على الكتاب لأنّه أهم مقوماته، ولم نتطرق للمنزل عند الحديث عن الطالب، ولا للمدرسة عند الحديث عن المدرس لكيلا يطول بنا المقام في هذا الموضوع المهم. ولا ريب أن كلاً منَّا يرى ما يعيشه منزله من بعثرة علمية، وما يعيشه مجتمعه منها؛ والسؤال الكبير الذي لا يخفى على متبصّر هو: "هل يعيش الطالب في بيئة صحية في منزله ومدرسته ومجتمعه؟" ونقصد بالبيئة الصّحية: البيئة الاجتماعية و البيئية الثقافية والبيئة النفسية ..... وغيرها. لعل الوقت أن يسعفنا فنناقش هذه في موقع آخر بإذن الله.


أمّا إجابة السؤال الثاني الذي ينصب حول ما نقترحه لإصلاح الوضع، فلعل الكلمات الماضية حوت ما يمكن أن يعتبر مدخلاً لحلول جذرية ضرورية. فالمناهج يجب أن تراعي مستويات المتعلِّم وقدراته، وأن تكون منطلقةً من بيئته التي يعيشها. والطالب لا بد أن يعرف والداه كيف يربيانه تربية قويمة وذلك بالسؤال عن مقومات التربية القويمة في عصر أصبحت المعلومات متاحة حتّى للأمّي من النَّاس. والمعلِّم لا بد أن يسعى إلى تربية نفسه بعد أن رشد وأن يجعل نصب عينيه عقاب الله الشديد لمن خان الأمانة.

ولنعلم إن الأمور إذا خلت من خوف الله ضاعت وتدهور المجتمع مهما سعى وبذل.

وأختم هذه الكلمات القليلة بمقالة أظنها للجاحظ، حيث سئل لماذا تكتبون للنّاس ما لا يفهم ؟ قال: لأنّا نعمل لغير وجه الله.

آثرت أن أبدأ بالطالب من صفوفه الأولى فسرعان ما ينتقل التلميذ من الصّف الأول الإبتدائي، إلى الصف الأول الجامعي خصوصًا في عصرنا هذا. وسأعود في المقالة الخامسة فأطرح بعض المقترحات التي قد تفيد الجامعة والطالب الجامعي والأستاذ في تحسين حال التعليم العالي والله تعالى أعلم.

أ. د. ظافر بن علي القرني

الأربعاء 19/11/1426هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
12-26-2005, 06:06 PM
الجامعة وما أدراك ما الجامعة؟

يأتي الطالب إليها بعتادٍ قليلٍ من العلم المبعثر ، وبحيرة شديدة لما ذكر ولغير ما ذكر من أسباب، فلا يخرج منها، في الغالب، إلاَّ بحيرة أشدّ من حيرة الدّخول. ولكي لا نخوض في غير ما نعرف أقصر ملاحظاتي على الكليات التي تعتمد الكتاب الأجنبي لها مرجعًا. فأقول بكلِّ اختصار إن من الطّلاب العدد الكثير الذي يدخل الكلية ويتخرج منها بعد خمس سنوات على أقل تقدير وهو لم يقتن كتابًا واحدًا من كتب مقرراتها الكثيرة. وهذه أول ركائز الفشل الذريع التي يركزها أمامه في حياته أينما ذهب. ولعدم إقتناء الكتاب أسباب منها، كونه غير متوفّرٍ أصلاً في الجامعة رغم إن قائمة الكتب المرغوب فيها تتجدّد كلّ عام من قبل أعضاء هيئة التّدريس. وقد يكون متوفّرًا لكن في طبعاتٍ قديمة تجاوزها الزّمن. ومنها عدم رغبة الطّالب في الكتاب لشعوره أنَّه لن يعرف منه شيئًا لضعفه في لغته. ومنها غلاء الكتاب مع أن الطالب لا يدفع سوى نصف قيمته؛ لكنها قد تصل مئتين ريال أو تزيد عنها. وقد يستطيع الأستاذ أن يدفع الطّالب إلى شراء الكتاب إلاّ َإذا قال: لا أملك قيمته؛ فإذا قالها ساد الصّمت القاعة، وخرج الكتاب من مسيرة التّعليم. ومنها عدم تشجيع بعض الأساتذة للطّلاب على إقتناء الكتب ومحاولة العودة إليها في المذاكرة. وزد على الأساب ما شئت. وسواء كانت الأسباب وجيهة أم لا، فالتّعليم بلا كتاب ضربٌ من العبث.

وقد يدخل الطّالب إلى الجامعة ويخرج منها وهو لم يدخل مكتبتها ليقرأ في كتابٍ أو مجلةٍ موضوعًا له صلة بتخصّصه. وقد يكون له العذر في ذلك لعدم وجود التشجيع من بعض المعلمين، ولأسبابٍ أخرى أطرحها في مكان آخر بحول الله. وسواء كان له عذر أم لم يكن له، فإنَّه عطّل وسيلةً مهمةً من وسائل التعليم، وعمّق خنادق الجهل في خلفيته العلمية وهو لا يدري.

ويمكننا أن نلحق المعامل العلمية بالمكتبات من حيث عدم الجدوى لأسباب كثيرة؛ أهمها جهل الطّالب بالحاسب الآلي وعدم قدرته على البرمجة بأي لغةٍ رغم كثرتها؛ وعدم كفاية التقنيات الموجودة، وخلو كثيرٍ من المعامل من القادرين على تشغيلها وصيانتها. وإذا عطب المعمل فلن تُجدي النظريات مهما تساقطت على الطّالب من كلّ اتجاه.

ومن الأسباب ركود مسيرة الإبتعاث منذ ما يقارب عقدين من الزّمن.

ولو واصلت في سرد الأسباب لخرجت بكتاب يسر الشَّامتين، ولكن فيما حصل الكفاية.

ومن المعلوم أن المشكلة إذا عُلمت سهل الحل، فلا داع لأن نقول الواجب أن نفعل كذا وأن نفعّل كذا ....

شكرًا لك يا فهد الأحمدي على سؤالك الذي أثار بعض الشجون .... وأذكر أن في موقعي اٌلشّبكي بحثًا أو بحثين حول مشاكل تعريب العلوم أو التَّعليم ووسائله؛ قد يكون فيها بعض التفصيل في أسباب ناقشتها في أول هذه الرّدود.

لك وللقراء جميعًا تحياتي

أ. د. ظافر بن علي القرني

الاثنين 24/11/1426هـ

سِم سِمةً في الأرض تُحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمة

فهد الأحمدي
01-03-2006, 10:58 PM
أشكرك دكتور ظافر على تجاوبك وإجاباتك الشافية الكافية التي تعكس عمق التفكير ومتانة الخبرة الأكاديمية والنظرة المعاصرة والواقعية للمشكلة والإحاطة بجوانب كثيرة من الموضوع لم تخطر على بالي


تقبل خالص تقديري وامتناني

هنادي الحربي
01-09-2006, 01:52 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشكر للدكتور القرني تجاوبه وهذا ليس بالغريب على العلماء أمثاله فجزاه الله عنا كل خير
آمل من سعادتكم أن تبدو رأيكم الكريم في مدى فاعلية وسهولة ومرونة برنامج GeoMedia Pro GIS حيث كانت لي فرصة التدريب عليه مقارنة ببرنامج ArcGIS حيث لاحظت أنه هو المستخدم لدى أعضاء النادي وهل برنامج ArcGIS افضل منه شاكرة ومقدرة تعاونكم والله يرعاكم

أ. د. ظافر بن علي القرني
01-11-2006, 12:21 AM
شكرًا للأخت هنادي على سؤالها المهم، وسأجعل الإجابة عليه في وقفات مختصرة ليسهل الوقوف عليها بحول الله.


الوقفة الأولى: إنه ليس في تقنيات مجالنا ما يمكن أن يقال عنه سهل باطلاق أو صعب باطلاق؛ إذ السهولة والصعوبة تأتي من قبل المستخدم نفسه؛ فما يراه شخص سهلاً، قد يراه آخر صعبًا، والعكس يصح كذلك. وما يقال عن اليسر والصعوبة في التقنيات يقال عن قضية التفاضل بينها. ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.

الوقفة الثانية: إننا نريد أن نكون من مبدعي التقنية لا من مستخدميها فقط، فبقاؤنا في مصاف المستخدمين يجلب لنا المشقّة والعنت. وإمكانية أن نكون من مبدعيها ليس با لأمر الصعب فنحن "جيل البرمجة" وميلاد الحاسب الشخصي حديث جدًا لمن لا يعلم ذلك. لأنَّنا إن لم نصبح من مبدعيها بقينا ضحية الدعاية والإعلان القائمين على مهارة اصطياد الزبون بأي وسيلة كانت بشرط أن لا تثير حنقه، وما ضرّ لو علم في مقبل الأيام أنَّه اصطيد بوسيلةٍ غير نزيهة.

الوقفة الثّالثة: إنه من خلال اطلاعي اليسير وإلمامي بجوانب من تقنيات نظم المعلومات الجغرافية فإن الشركات المعنية بتطوير تقنياتها على دراية بمكامن الصعوبات فيها، ولذلك يجهد كلٌ في محاولة الوصول إلى الحلول المثلى لهذه الصعوبات أو المشكلات، وإن اختلفت عناوين تلك الحلول من شركة لأخرى، وهذا جانبٌ تطرقت له في كتابي: "العلم والتقنية: رؤية هندسية مغايرة للمألوف" الذي آمل أن أصدره قريبًا. أقول هذا لأنَّه في الوقت الذي نرى فيه "انترقراف" تطرح برامجها ذات الانفتاح الكبير على المعلومات باختلاف مصادرها وباختلاف برامجها، من خلال تقنية GIS Geomedia Pro، نرى "إزري" تلوّح بحلولٍ مماثلة في تقنية ArcGISالأخيرة من خلال ما يُسمّى Interoperability. فالهم واحد، كون القضية المعالجة واحدة، وإن اختلفت أساليب تناوله والتعامل معه.

الوقفة الرَّابعة: إن المشكلة تبقى في معايير الاختيار بين هذه التقنيات من قبل المستخدمين؛ وهل الأفضل التنويع أو التوحيد؟ وما جدوى كل اتجاه من هذين الاتجاهين؟ وغير ذلك من الأسئلة المهمة ... ...

أقول قد يكون التنويع هو الأمثل في الجوانب الدراسية (التعليمية والبحثية) لتكون الفائدة الشاملة والاختيار الأمثل لأنسب الحلول للمسألة المراد حلها، ولغير ذلك من الأغراض التي لا تخفى. أما في الجانب الانتاجي فقد يكون لتوحد التقنيات ما يبرره من حيث تضافر الجهود، وتسهيل سريان المعلومات بين المهتمين، وعدم جعل اختلاف نوع التقنية ذريعة لعدم التعاون والترافد بين المعنيين، وليكثر سواد المتعاملين بهذ النوع من التقنية فيصبح لهم كلمة مسموعة, وغير ذلك كثير..... وهنا يأتي سؤال معقول: هل على الأخت هنادي أن تتحوّل إلى تقنية ArcGIS لأنَّه السائد في مثل نادينا هذا؟ ليس عليها ذلك الآن، ولها بعد الانتهاء من مرحلة البحث والدراسة أن تقدّر المسألة بقدرها....

الوقفة الخامسة: إن برامج التقنيات تتدانى وتتقارب بشكل ملحوظ، فمن عرف واحدة منها أصبح من السهل عليه تناوش الآخرى واستخدامها دون كبير مشقَّة. وسيكون التداني في المستقبل أكبر وأعظم ... وهذا جانب حاولت تناوله في الكتاب المذكور آنفًا إن يسر الله خروجه.

الوقفة السادسة: لست بذي خبرة جيدة في برامج الانترقراف وإن كنت اطلعت عليها وحضرت بعض ما قُدِّم فيها من محاضرات ولقاءات، وقرأت عنها في أبحاث قليلة استخدمت تلك التقنيات؛ ولعل الأخت هنادي -إن اسعفها الوقت - أن تجعل بين يدي هذه النادي بعض ما تعرفه عنها، فربما وجدت من يميل إلى ما مالت إليه وتصبح في فريق متنامٍ متضافر.

هذا بعض ما تجمّع لي من أفكار تتناثر أحيانًا فلا أصيد منها إلا القليل.

تحياتي ودعائي للجميع بعيد سعيد.

ظافر بن علي القرني
يوم عيد الحج لـ 1426هـ

سم سمة في الأرض تحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمة

فهد الأحمدي
01-12-2006, 02:00 PM
د. ظافر وفقه الله -بحكم عملكم كعضو هيئة تدريس بقسم الهندسة المساحية- هل تعتقد أن هذا القسم ساعد في تحسين صورة مفهوم علم المساحة بين طلبة الجامعة بخاصة وبين العامة بعامة أم أنه لا تزال النظرة محدودة وقاصرة وغير واضحة لدى الكثيرين.

وشكراً لكم لإتاحة الفرصة لاستفساراتنا

هنادي الحربي
01-13-2006, 05:43 PM
تحية طيبة
ألف شكر للدكتور القرني على إجابته الشافية والوافية وآسفة على تأخري بالرد والسبب كما يعلم الجميع إرتباطات العيد وكل عام وانتم بخير
وبإذن الله سأعمل بإقتراح سعادة الدكتور وسأساهم بخبرتي البسيطة والمتواضعة جدا جدا في هذا المجال علها تفيد
ودمتم بخير

أ. د. ظافر بن علي القرني
01-14-2006, 07:39 AM
يقول سؤال الأستاذ الكريم فهد الأحمدي: بحكم عملكم كعضو هيئة تدريس بقسم الهندسة المساحية- هل تعتقد أن هذا القسم ساعد في تحسين صورة مفهوم علم المساحة بين طلبة الجامعة بخاصة وبين العامة بعامة أم أنه لا تزال النظرة محدودة وقاصرة وغير واضحة لدى الكثيرين?

استطيع أن أقول باختصار شديد أن برنامج الهندسة المساحية الذي أنشئ منذ عام 1408هـ في القسم المدني بجامعة الملك سعود ساعد كثيرًا في تحسين صورة مفهوم علم المساحة بين الطلبة وغيرهم من عامة النَّاس؛ وإن النظرة لم تزل محدودة وقاصرة وغير واضحة وستبقى كذلك لدى الكثيرين إلى أن يشاء الله غير ذلك. وهذا تضاد مفهوم عندنا، ولا ينطبق عليه قول أبي العلاء: "تناقضٌ ما لنا إلاّ السكوت له" ولذلك نقول: إنَّه إذا رُسمت صورة ما عن شيء ما في "التّأريخ" فإنّ "الجغرافيا" لا تستطيع تغيير تلك الصورة بيسر ولو جهدت. فعلى الرّغم من كون الهندسة المساحية علمًا في كلّ علم وتقنية في كلّ تقنية، وكون عينٌ منها على الأرض وعين في السّماء -كما سبق وإن أشرت في موقعي- فإنَّها تعاني من تصوّر النَّاس لها بأنَّها الشريط الذي يسحب على الأرصفة، أو ميزان التسوية الذي يقف وراءه عامل في هيئة رثّة، معتمرًا كوفية صفراء فاقع لونها لا تسر النّاظرين. هذا هو التَّصور الذي يحمله المثقّف من النَّاس وقد يأتيك غيره بأسوأ منه. فكيف يستطيع قسم صغير في زاوية من الأرض أن يغيّر هذه الصورة الممتدّة من الولايات المتّحدة الأمريكية إليها مرورًا بكلّ أقطار الأرض دون استثناء.

ألم تر أنّ كثيرًا من الأقسام المساحية في العالم عمدت إلى تغيير اسمها من مساحة إلى جيوماتك أو جيوماتكس (Geomatics) هروبًا من هذا التَّصور المنقوص. وإذا كان هذا التغيير ممكنًا في عالم لغته الإنجليزية أو ما ماثلها من لغات أوروبية، فإن نقله أو ترجمته إلى العربية أو استحداث مثله فيها يظلّ أمرًا صعبًا. فنحن إن نقلناه كما هو أصبح غير مفهوم للنَّاس، وربما وجدتنا نعود للقديم ولسان حلنا يقول: "حنانيك بعض الشّر أهون من بعض"؛ وإن ترجمناه صعبت ترجمته فهو مركّب من ثلاث تقنيات أو أكثر؛ وإن حاولنا أن نأتي بغيره كنَّا كمن يحاول أن يترجمه.

وقد كان يمكن لتخصص المساحة أن يأخذ صورة جيدة في أذهان النَّاس فهو جدير بها لأسباب منها كونه معروفًا من زمن بعيد بهذا الاسم ، وللعرب فيه، كما لغيرهم، إبداعات جميلة رائعة، وذا صلةٍ وثيقة بكل التّخصصات المعروفة في عالم اليوم؛ ولكن ما ندري كيف رُكّبت هذه الصّورة المشوّهة في عقول المثقفين من النَّاس وكيف نُقلت إلى العامة منهم، فكان ما كان من معاناة، والله المستعان.

أمَّا هل أسهم "القسم" في تحسين الصورة فلا ريب في ذلك، والدّليل ما نراه من نشاطات لخريجيه في كثيرٍ من القطاعات، وما نلمسه من سعي كثير من أصحاب التخصصات الأخرى للاستفادة من علومه وتقنياته ومعلوماته لأسباب وضَّحت بعضها في موقعي بشيء من التفصيل. ورغم كلّ هذا، فسيظل المفهوم قاصرًا كما هو، لقلّة المتأثرين وإن كثروا، قياسًا بالكثرة الغالبة ذات التصورات القديمة الرّاسخة في عقولهم رسوخ الجبال.


شكرًا لسؤالك المهم، ولك وللقراء تحياتي

ظافر بن علي القرني

السبت 14/12/1426هـ

سِم سمةً في الأرض تُحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمةْ

م. نصيف
01-16-2006, 02:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخواني الأعضاء بنادي نظم المعلومات الجغرافية
سعادة أستاذي الفاضل

أنتهز هذه الفرصة السعدية لأبلغكم تهاني الحارة بمناسبة عيد الأضحى المبارك، ونسأل الله أن يتقبلنا بواسع رحمته ومغفرته
وبالنسبة إلى حجاج بيت الله العتيق ندعو لهم بأن يتقبل حجهم وأن يكون حجهم مبروراً ومقبولاً.والمعذرة على التأخير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إبنكم
نــصــــيف

أ. د. ظافر بن علي القرني
01-17-2006, 07:58 AM
تقبل الله دعاءك، وأعاد علينا وعليك وعلى المسلمين عامةً مواسم الخير والبركة والجميع في أمنٍ وصلاح واستقرار. وندعو ، كما دعوت، للحجاج بالمثوبة والمغفرة وأن يتقبّل الله حجهم، ويغفر لمن مات منهم ، وأن يزيد المسلمين وعيًّا بدينهم الذي ينظم شؤون حياتهم، ووعيًّا بقيمة الحياة ذاتها فهي عند البعض رخيصة؛ وبعد:

الآن عرفت من هو المهندس، وعرفت جهوده التي يبذلها في سبيل لمّ شمل الهندسة المساحية في شعبة هندسية، وفي سبيل التعريف بهذا النادي المتوثّب، فحياك الله.

اقترح أن تجعل اسمك في النادي "المهندس نصيف" وليس المهندس فقط، ونصيف اسم علم نادر وهذه مزيّة جيدة لا أدري لماذا أخفيته وراء المهندس.

تحياتي

ظافر بن علي القرني

الثلاثاء 17/12/1426هـ

سم سمةً في الأرض تحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمة

هنادي الحربي
01-19-2006, 03:56 PM
سعادة الأستاذ الدكتور ظافر القرني لدي عدة تساؤولات أود طرحها عليكم والإستفادة من خبرتكم في هذا المجال وآمل ان يتسع لها صدركم
مارأي سعادتكم بالإبتعاث الخارجي(خارج السعودية)وهل فعلاً طالب العلم يستفيد بشكل كبير فيما يخص جوانب كتابة البحث العلمي والإلمام الجيد بأدواته وأساليبه فأنا لدي اعتقاد ان طالب الدراسات العليا في الجامعات السعودية لا يقل مستوى عن المبتعث للخارج (اللهم اللغة)
في حالة رغبة طالب الدراسات العليا بالإبتعاث الخارجي(تخصص نظم معلومات جغرافية) أي الدول تنصح بها عربياً و أجنبياً ولو أن المفاضلة أحياناً في رأي تصبح على مستوى الجامعات وليس الدول أرجو من سعادتكم أن تفيدوني أفادكم الله

أ. د. ظافر بن علي القرني
01-20-2006, 09:51 AM
الأخت الفاضلة هنادي

بعد السلام عليكم ورحمة الله، أقول في الإجابة على سؤالك الأول:

ليس هناك مقارنة لا من بعيد ولا من قريب بين الدراسات العليا في جامعات بلداننا العربية المتميّزة والجامعات المتميزة في البلدان المتقدّمة تقنيًّا. والسبب ليس قصور في عقول الطلاب ولا معلميهم، وإنّما القصور في البيئة التعليمية عامة. ففي الدول المتقدمة تقنيًّا يعيش الطالب فيها حياةً علميةً من كلّ جوانبها، إذ هو بين أناسٍ همهم العلم، أناس تترقب النظريات الجديدة في حقولها كما يترقب الناس عندنا سوق الأسهم في شاشات البنوك والتلفزيونات. إذا نزل كتاب قيم في السوق في تخصص ما تناقل أصحابه أخباره وسعوا إلى اقتنائه، وإذا تطورت تقنية ما، علم عنها الجميع. ومؤتمراتهم حيّة وهي سوق النظريات المزدهر. وبلدانهم يُعرف فيها المتميزون في تخصصاتهم من غيرهم؛ لكن في البلدان المتأخرة تقنيًّا ربما كانت الغلبة والصوت للخافت علميًّا، كون الأمة، في الغالب، ليست بأمة علم تقني يعينها على تمييز الجيد من الرديء.

وكتابة البحث العلمي الرَّصين، لا تأتي إلاّ من قراءة البحوث العلمية الرَّصينة ومتابعتها بشكل مستمر في مجلاّتها المتخصصة أول بأول. وهذه المزية شبه مفقودة في بيئتنا التعليمية لأسباب كثيرة، منها عدم الحرص على اقتناء المجلات المتخصصة، وندرتها في مكتباتنا العلمية، وتأخرها إن وصلت .... . لذا لو قال لي أحدٌ: إنّ الطالب في الدول المتقدّمة تقنيًّا يستفيد بشكل كبير، مقارنةً بالطالب في عالمنا، فيما يخص جوانب كتابة البحث العلمي والإلمام الجيد بأدواته وأساليبه، وفي غير ذلك من الأمور، لقلت له صدقت.

وهذا لا يعني عدم وجود الطالب الجيد المكافح المنافح الذي يتغلّب على ظروف بيئته التعليمية من حوله، فيحلق في فضاء الإنترنت، ويتواصل مع دور النشر ومظان البحوث العلمية، فيحصل منها على ما يريد، ويقرأها بحرص؛ فيعيش علميًّا هناك وهو عمليًّا هنا. هذا موجود، وموجود كذلك المرشد الذي يعين على ذلك، إنّما نحن نتكلّم عن الغالب أو السائد، ولا نأتي للاستثناء.


أما في إجابة الجزء الثاني من سؤالك، فلا استطيع أن أسمي جامعات مختارة في الجغرافيا، ولعل الأخوة الجغرافيين أن يعينونا في هذا الجانب. ولكن ها هنا بعض لأمور التي قد تفيدك ولو قليلاً:

• من المعلوم أن نشاط التخصص يكون من نشاط المعلمين فيه، وليس على أساس الدولة، كما تفضلت، ولا على أساس الجامعة أيضًا. فالجامعة المشهورة ليست قوية في كلّ علم، وإنّما تجدينها جيدة في علم ما بمن فيه من المتخصصين المرموقين. وهم بعلمهم وسمعتهم يرفعون اسم الجامعة، وإن كان فيها المتردية والنطيحة وما أكثرها.

• حريٌّ بالجامعات المتميّزة في الجغرافيا سابقًا، أن تكون متميّزة فيما يستجد من تخصصات؛ ولا يتوقّع من الجامعات الخاملة أن تنشط فجأة، كون العملية التعليمة متَّسقةٍ متنامية.

• لدى وزارة التعليم العالي في المملكة قائمة مفصّلة بالجامعات الجيدة في الدّول المتقدّمة تقنيًّا؛ يمكنك أن تختاري بعض الجامعات المعروفة في الجغرافيا بناء على سؤال المتخرجين منها أو من غيرها، ثمّ تذهبين إلى موقع الجامعة على الشبكة وتطّلعين على التخصصات الموجودة، وعلى المقررات التي تدرّسها في الدراسات العليا، وسيظهر لك ما إذا كانت الجامعة مهتمّةً بنظم المعلومات الجغرافية أم لا. فإذا كانت الجامعة قوية في الماضي، ولديها إهتمام بنظم المعلومات الجغرافية، فالغالب أنَّها جيدة.

• وهناك معايير أخرى. أفكر أن أكتبها في مقال، أو أرسلها إليك ملخّصةً عبر البريد الإلكتروني.

أمل أن أكون أتيت بما يفيد، وشكرًا لك على سؤالك القيم.

ظافر بن علي القرني

الجمعة 20/12/1426هـ

هنادي الحربي
01-20-2006, 12:52 PM
الاستاذ الدكتور ظافر القرني لا يسعني الا ان ادعو لك بالتوفيق وان يبارك لك في علمك وعملك والله يرعاكم

إبراهيم أبو مالك
01-26-2006, 04:34 PM
السلام عليكم يا دكتور

صراحة تابعت الحوار السابق كله وصراحة عندي شعور الان أني أوجة الخطاب أو الكلام
الى بحر من بحور العلم.

سؤالي يا دكتور ولك مني كل الاحترام والتقدير
في نظم المعلومات الجغرافية.. طالب في قسم أداب جغرافيا هل يعتبر
قسم اداب جغرافيا المدخل الصحيح لتعلم هذا العلم ضمن
هذا الخطة مثلا http://www.iugaza.edu/ara/faculty/department.asp?department_no=303&faculty_no=3
..أو المسألة تكون أكثر
فائدة لطلاب الهندسة المدنية وغيرة مع العلم انا مستجد بعلم الجغرافيا .

وشكراً لك

أ. د. ظافر بن علي القرني
01-28-2006, 11:58 AM
شكرًا جزيلاً للأخ المراسل على ثنائه، ويا ليتني بحرٌ في العلم. يقول حفظه الله في سؤال مهمٍّ جدًّا: هل يعتبر قسم اداب جغرافيا المدخل الصحيح لتعلم هذا العلم ضمن هذا الخطة مثلا http://www.iugaza.edu/ara/faculty/d...03&faculty_no=3


فأقول في مدخل لا بد منه: إنَّه وإن صحَّ أن تصنَّف الجغرافيا على أنّها ضمن كلية الآداب في الماضي لطبيعة ما كان يدرّس فيها، أو لطبيعة الرؤية التي رآها بها علماؤها آنذك، فلا يصحّ اليوم أن نصنَّفها كلها حسب تلك الرؤية التي تجاوزها الزمن. وهذا موضوع شائك لا يعرفه إلاَّ من حاول أن يخوض فيه مع الخائضين.

وإذا ما جئنا إلى سؤالك عن نظم المعلومات الجغرافية، فسأحاول أن أجيب عليه في مرحلتين: أولاهما قبل أن أطّلع على الخطة المرفقة، وثانيهما بعدها.

فقبل أن نرى ما في الخطة، ونستفيد منه، ونقول رأينا فيه، ينبغي أن نوضَّح أن نظم المعلومات الجغرافية علمٌ لا يقبل الاستحواذ عليه من أحد، فلا هو بعلم يستطيع المهندس أن يقول هو لي، ولا الجغرافي ولا غيرهما. إنّ محاولة حصر هذا العلم في قسم ما، دون غيره من الأقسام، يناقض طبيعة التكامل التي يقوم عليها ويضعفها. وإذا ضعفت هذه الطبيعة أو المزيّة، لم يبق هناك نظم معلومات جغرافية، ولا مهتمّ بنظم المعلومات الجغرافية وإن كثر السَّاعين في سبيلها والعاملين بها.

السؤال المهم الآن هو كيف ينبغي لنا أن ندرَّس هذا العلم بما يتنامى وطبيعته الشاهرة الظاهرة ؟ هذا ما سنحاول التّحدّث عنه في كلمات قادمة يعقبها الاطلاع على الخطة بحول الله.

والسلام عليكم

ظافر بن علي القرني

السبت 28/12/1426هـ

Abdulhakeem.S.M
01-29-2006, 06:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة............... أما بعد

أولا أحب أن أشكر أ.د ظافر القرني على كل جهد يبذله لخدمة دينه ووطنه وعلى تواصله معنا في هذا

المنتى الفريد من نوعه,,,, وأحب كذلك أن أوجهه تحية لجميع الأعضاء على كل جهد يبذلونه في سبيل

الرقي بهذا العلم الجيد.... وبالنسبة لقضية إحتكار هذا العلم لأي تخصص فهي قضية تشغل هاجس طلاب

هندسة المساحة بجامعة الملك سعود...وأنا أحب أن اخبر دكتوري الفاضل بهذا الشيء,, الذي يشعرنا

بالإستياء نحن طلاب القسم...لأنه أخبرنا بذلك عضو هيئة تدريس في القسم القسم يقول لنا إنه ليس

حكرا عليكم بل يشارككم في هذا العلم (gis) وهو قسم الجغرافيا بكلية الأداب,,والفرق الذي بيينا وبينهم أننا

متميزين عنهم بالجيوديسيا فقط,,,,,فهل هذا الكلام صحيح؟.

أ. د. ظافر بن علي القرني
01-29-2006, 09:45 PM
سؤالك يا عبد الحكيم في سياق الموضوع الذي نتحدّث عنه وسنأتي إليه بعد أن نكمل الحديث مع المراسل.

سأحاول أن أسهّل هذه القضية الشّائكة، على ما يبدو، وهي في أصلها سهلة. فأقول إذا ما أردنا أن نُدرِّس علمٍ ما لزمنا أن نعلم على ماذا يقوم، فإذا علمنا ذلك سهُل علينا اختيار المقررات التي ينبغي علينا تدريسها ليتم قيامه ويبقى. وأظن أننا لا نختلف على أن الخريطة هي أهم مقومات نظم المعلومات الجغرافية. ولو قال قائل بل أهم مقوماته هي قاعدة البيانات، لقلنا قاعدة البيانات ما هي إلاَّ خريطة ضخمة في صيغة رقمية مهيئة بطريقة ما. فماذا يلزمنا لنفهم الخريطة ؟

يلزمنا رياضيات، وعلوم هندسة مساحية، وعلوم جغرافيا، وعلوم حاسب آلي، ويمكن التفصيل في كلّ هذه لأنَّ بعض مقرراتها أولى من بعض. ولو جاء أحدٌ وزاد، ما أنكرنا زيادته فالتخصص يقوم على التّكامل كما قلنا.

ويمكن لمن لا تعجبه هذه الوسيلة أن ينظر إلى "المدخلات، وطرق المعالجات، والمخرجات" لما يرد أن يعلّمه، ثمَّ يختار من المقررات ما يُيسِّر للطّلاب فهمها والتّمكّن منها.

ولو توفّرت هذه المقررات في قسم ما، فهذا أيسر وأسهل من تشتتها. وإن تشتّتت، فينبغي تيسير السبل أمام الطّلاب ليأخذوا من كلّ تخصص ما ينمّّي قدراتهم ويزيد في معارفهم ومعلوماتهم.

بعد هذه أيها المراسل الكريم، سننظر في الخطّة التي أرفقتها، وبالله التوفيق.

السلام عليكم.

ظافر بن علي القرني

الأحد 29/12/1426هـ

مريم الحربي
02-01-2006, 10:35 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,,

شكراً لكم على هذا الطرح فقد أستفدت منه كثيراً ..

إيضاً أضيف من أهم أساسيات تعلم نظم المعلومات الجغرافية والإستشعار عن بعد .. هو إتقان اللغة الإنجليزية بالنسبة للباحث وإيضاً الإلمام بالمصطلحات العلمية لكل من ( الرياضيات - الحاسب - الجغرافيا - الهندسة - مصطلحات برامج نظم المعلومات) لكي يسهل التعامل معها ..

لدي سؤال ..

ما هي كيفية قراءة الصور الجوية ومعرفة رموزها ؟

لدي أسئلة أخرى في هذا المجال ولكن إن شاء الله أطرحها في المرة القادمة لسعادة الدكتور ظافر..

شكراً للجميع ..

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-02-2006, 08:19 AM
شكرًا للأخت مريم على ما أضافته من معلومات، وسنأتي إلى سؤالها بحول الله في القريب العاجل. وأرجو من الأخ المراسل أن يعذرني في التأخير فما فرغت من الاختبارات إلاَّ أمس مع كثرة الواجبات التي تحاصر المرء في عالم اليوم من كل جانب.

أواصل الإجابة على سؤاله الجيد، فأقول: علم الله أنّني استمتعت بقراءة خطة الدراسة لديكم ورأيتها حيّة متنوّعة تسعى إلى ربط القديم بالحديث، من منطلق إسلامي صحيح يجعلها منفتحةً على كلّ ما يستجد من معارف جغرافية كثيرة. وهي دون ريب خطة مشذّبة مهذّبة مرنة تحاول أن تغطي أكبر قدر ممكن من معارف الجغرافيا الكثيرة المتنوّعة. ودليل مرونتها إحتواؤها على أربعة مقررات اختيارية قد تمكّن الطالب من تعزيز معارفه في تخصص ما بما يختاره من مقررات رافدة حتّى لو كانت من كليّة غير كليّته. لعل هذا أن يكون متاحًا لديكم.

وقد رأيت في الخطة مقررين رياضيات (رياضيات +إحصاء)، ومقرر مساحة، ومقرر في الاستشعار عن بعد، ومقررين في نظم المعلومات الجغرافية، ومقرر في الكمبيوتر (تحليل جغرافي)، ومقرر في علم الخرائط، إلى جانب غيرها من المقررات العلمية الأخرى.

وليست العبرة بكثرة المقررات في تخصص ما وقلتها في آخر، إنّما العبرة بما يقدّم في المقرر منها. أضرب لذلك مثلاً من مقرر المساحة. لو أن في خطة ما ثلاث مقررات للمساحة، يدرس أولاها المساحة بالجنزير والشريط والبوصلة، وثانيها يدرس المساحة بالثيودوليت، وثالثها يدرس المساحة بالميزانية (Levels) على الترتيب. وهناك خطة أخرى فيها مقرر واحد فقط للمساحة يدرس فيه المساحة بالمحطّة المتكاملة (Total Station) وبنظام تحديد المواقع (GPS)، وبالتصوير الجوي،.... لاخترت الخطة ذات المقرر الواحد على تلك صاحبة الثلاثة وإن ظهرت حافلة بالمساحة على ثلاث مستويات (مساحة -1، مساحة-2، مساحة-3). وسبب الاختيار هو أن الخطّة الأولى ميتة في جوانب وضعيفة في أخرى؛ بينما الخطة الثانية حيّة تمثل جزءًا كبيرًا من الواقع المساحي اليوم.

ويقال مثل ذلك عن نظم المعلومات الجغرافية، وعن الرياضيات، وعن الحاسب، وعن علم الخرائط وغيرها.
فليس من السهل في عالمنا العربي تغيير الخطط الدّراسية، غير أنَّه يمكن تغيير محتوى المقرر ولو من قبل الأستاذ إذا رأى عدم جدوى ما بين يديه من معلومات.

شكرًا لك على سؤالك الذي ينم عن وعي بالحاضر، واستشراف جميل لمستقبل واعد.

ظافر بن علي القرني
الخميس 3/1/1427هـ

إبراهيم أبو مالك
02-02-2006, 03:35 PM
الدكتور : ظافر بن علي القرني

حياك الله .. صدقني وفيت وكفيت بأجاباتك الرائعة التي ستفتح المجال أمامي لتقوية نفسي بالجغرافيا بشكل عام
وما يتعلق بها خاصة Gis .

أعانك الله في تصحيح الاختبارات وأن شاء الله لنا عودة طيبة معك قريبة أن شاء الله لآنك فرصة نادرة لمستجد جغرافي
مثلي وفرصة لكل من أراد أن يسلك منهج صحيح في حياتة التعليمية.

بارك الله فيك

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-03-2006, 05:16 PM
شكرًا لأبي مالك على تواصله ونحن وما نستطيع لا ندخر وسعًا كما يقال. ونأتي إلى سؤال الأخ عبدالحكيم الذي يشكو فيه من احتكار المعارف أو عدم احتكارها ويقول أن معلمه قال إن الجغرافيين يشاركونكم نظم المعلومات ولا تتميزون عنهم سوى بالجيوديسيا.

الجواب

أبادر فاقول لا يهم كثيرًا اليوم أين يتعلّم المتعلّم أسس نظم المعلومات الجغرافية لأسباب أحاول طرح بعضها في الرَّد على الطالب عبد الحكيم. والسّبب الظاهر على غيره هو أن هذه النظم مقبلة على تكوين نفسها لتكون علمًا مبنيًّا على أسس حاسوبية هندسية جغرافية متينة. ولا ريب أن الكليات بل الأقسام تفترس التخصصات كما تفترس الأمم بعضها عبر القرون والآماد. فلو سلمنا بأنَّ اسم "نظم المعلومات الجغرافية" جاء تبع التّخصص الجغرافي، لجاز لنا أن نقول أن هناك نظم معلومات هندسية، ونظم معلومات جيولوجية، ونظم معلومات طبية وغير ذلك ومنها ما هو موجود فعلاً. ولجاز لنا أن نذهب إلى أكثر من ذلك في الهندسية منها فنقول نظم معلومات ميكانيكية، ونظم معلومات كهربائية .... ونظم معلومات مساحية. وباستحداثنا "نظم المعلومات المساحية، ليكون لكل تخصص نظمه، نكون بذلك أوهنا نظم المعلومات الجغرافية كونها تعتمد عليها إعتمادًا كبيرا.

وعليه يمكننا القول أنَّ نظم المعلومات الجغرافية بمفهومها الشائع اليوم اسم غير موفق، فهو عند كثير من الجغرافيين يمثل تخصصهم وعند غيرهم يمثل شيئًا أكبر من ذلك. ويمكن أن نقول إنَّه اسمٌ على غير مسمى.

ودعوني أقرّب الأمر بشيء من التمثيل. تصوروا أن هناك فئة من العلماء في مكان ما تفكّر في استحداث ما يمكن أن يُسمَّى "نظم المعلومات الزَّمانية"، فنظر أصحاب التأريخ في أنفسهم ، وقالوا نحن أهل الزّمان؛ أما ندرس الأحداث فيه فيظهر للنَّاس أمرها وتسلسلها وأثرها فيهم وفي بيئتهم؟ فيقول قائلهم: بلى. فيقول آخر: دعونا إذن نسمي "نظم المعلومات الزّمانية" "نظم المعلومات التأريخية". ومن يريد الزمان أو لدراساته علاقة بالزمان من قريب أو بعيد، فليأت إلينا نحن معشر التاريخيين فنرفده منه بما شاء. فنحن أهل الزمان وما عدانا تبع لنا بطبيعة الحال. هذه قولهم وهو قول لا يخلو من شطط عظيم، إذ أنَّه يبتسر المعارف، ويسير بها عكس توجهها الصحيح.

يبدو، والله وأعلم، أن هذا هو ما حدث في "نظم المعلومات الجغرافية"، فبدلاً من أن يكون هناك، مثلاً، "نظم معلومات مكانية"، يتصل بها من يتصل كلٌّ بحسب علومه ومعارفه وأدواته وروافده، نظر من نظر من جغرافيي العالم المتقدّم تقنيًّا (ولا نتحدَّث عن جغرافيينا فهم ونحن تبع لغيرنا)، فقالوا نحن أولى بالمكان وغيرنا تبع لنا، فلنسمه "نظم المعلومات الجغرافية". وعليه فمن يريد المعلومات المتصلة بالمكان، فليأت إلينا نحن الجغرافيين وسيجدنا جنودًا مجندة في خدمته، ولله العزّة من قبل ومن بعد. ولكن سرعان ما وجد جلّ الجغرافيين نظامهم عائمًا لا هو إلى السماء ولا إلى الأرض، فعلموا أهميّة الرياضيات، فعزّزوا معارفهم فيها، وأهميّة علوم المساحة فشرعوا في استرفادها والحرص على تعلّمها. وهذا هو التّوجه الصحيح. ولهذا قلت في إجابة سابقة أنّه لا يصح إلحاق الجغرافيا كلّها بما يسمى كلية الآداب.

إذن لو أن نظم المعلومات الجغرافية جاءت جغرافية فقط لما ركزت جلّ دعائمها المهمة في رحاب غيرها، ولكانت على غرار نظم المعلومات الطبية، ونظم المعلومات الإدارية، تقوم بذاتها وتسترفد غيرها. وأظن أن السبب وراء اختلاط المفاهيم هو في فهم كلمة جغرافيا نفسها فهي لا تنتمي في أصلها إلى أي لغة من اللّغات الحية اليوم. ....

ولو أن الأمر بيدي لدعوت إلى تكوين:

نظم المعلومات الزمانية (Temporal Information Systems, TIS) &
نظم المعلومات المكانية (Spatial Information Systems, SIS)

ولجعلت أصحاب الزمان يتجادلون في زمانهم، وأصحاب المكان يتجادلون في مكانهم. ومن يريد أن يجادل في الزمان والمكان في آن كان له ذلك ويمكن أن يسمّى بهما معًا. أما وقد صارت الأمور كما هي عليه اليوم فلا ضير في ذلك إذ العبرة بالإنجاز لا بالأسماء وإن كانت مهمة.


هذه مقدمة قصيرة لسؤال الطالب عبدالحكيم. أما قوله أن الأستاذ قال إن الجغرافيا تشاركنا أو نشاركها في نظم المعلومات الجغرافية، وإنَّنا في المساحة لا نتميّز عنهم سوى بالجيوديسيا، فقول أوله صحيح وآخره فيه شيء من التعميم. فلا ضير أن نشترك مع غيرنا أو يشترك غيرنا معنا في علم ما. ولا مناص من ذلك. أمّا أننا لا نختلف عن غيرنا سوى بالجيوديسيا فقوله هو من باب إطلاق الخاص على العام. فالجيوديسيا هي عمود خيمة المساحة، ولكن هناك المساحة الأرضية ولها فروع وتقنيات، وهناك المساحة الجوية التصويرية ولها فروع وتقنيات وكذلك للجيوديسيا فروع وتقنيات كثيرة. وربما قصد الدكتور أن يهون من العنفوان الذي يشعر به طالب المساحة مثله مثل طالب الجغرافيا ليعلما عن بعضهما ويتعاونا فيما يفيد في المستقبل. وفي موقعي شرح ميسّر عن المعارف المساحية الكثيرة، مع بيان الخلل الذي أصاب معرافنا في مقتل جراء تصور الناس المنقوص لها منذ زمن بعيد.

ظافر بن علي القرني
الجمعة 4/1/1427هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-04-2006, 04:36 PM
تقول الأخت مريم الحربي بعد أن أثنت على ما يقدّم في هذا اللقاء، وأشكرها على ذلك، إنَّ من أهم أساسيات تعلم نظم المعلومات الجغرافية والإستشعار عن بعد .. هو إتقان اللغة الإنجليزية بالنسبة للباحث وإيضاً الإلمام بالمصطلحات العلمية لكل من ( الرياضيات - الحاسب - الجغرافيا - الهندسة - مصطلحات برامج نظم المعلومات) لكي يسهل التعامل معها. وتسأل فتقول: ما هي كيفية قراءة الصور الجوية ومعرفة رموزها ؟

الجواب:

قراء الصور الجوية فن يشبه قراءة نصوص اللغة المكتوبة. فالذي لا يعرف كيف تقرأ الصورة يكون كالأمِّي الذي لا يستطيع قراءة الكلمات سواء بسواء. وطرق قراء الصورة أو تفسيرها تصنّف عمومًا إلى طريقتين: الأولى: تفسير نظري (Visual Interpretation) ، والثانية: تفسير آلي (System Interpretation).

والتفسير النظري يعتمد في معظمه على مستخدم النظام وليس على النظام نفسه. والتفسير الآلي هو عكس ذلك، أي يعتمد، في معظمه على الآلة.

وأقصى درجات التفسير النظري أن يعرف المرء كلّ ما في الصورة من أشياء دون عنت. وهذا لا يتأتى له إلاَّ بعد ممارسة طويلة مركَّزة كلّ شيء حاضرٌ فيها إلاَّ الملل. وأقول طويلة لأنَّها تقاس خبرتها بالسنوات وليس بالأيام ولا الأشهر كما يحلو لنا نحن بني يعرب. وخلال سنوات اكتساب خبرة تفسير الصور يقارن المرء واقع الظاهرة في الميدان في أوقات مختلفة مع صورتها في الصور المختلفة نوعًا وشكلاً.

وأقصى درجات التفسير الآلي أن تقوم الآلة بمعرفة ظواهر الصورة دون أدنى تدخّلٍ من الإنسان. وهذه يلزمها لوازم كثيرة وإن حدث تقدُّمٍ جيد في هذا الجانب من العلم. وفي هذا النوع تصبح المهمة هي تدريب الآلة بدلاً من تدريب الإنسان على معرفة ما في الصورة.

وأكثر نشاط تفسير الصور في عالمنا العربي يقع في المنزلة بين المنزلتين لقلة خبرة من يتعامل مع الصور من جهة، وضعف القدرة على صناعة البرامج المتينة التي تكفي الإنسان مؤونة التفسير النظري، من جهة أخرى.

وقد أثرت تقنية تفسير الصور بعد أن نمت علوم وتقنيات الاستشعار عن بعد ، كون الصور فيه ذات أطياف مختلفة، وقدرات متباينة. وهناك عددٌ هائل من البرامج التي تعين على معالجة الصور بقصد تسهيل تفسير ظواهرها.

أما رموز الصورة فإن كنت تقصيدين أشياءها التي تحويها من ظواهر أو معالم، فقد سبقت الإجابة، وإن كنت تقصدين رموزًا أخرى، فمعلومات الصورة تنتقل إلى الخريطة في نهاية الأمر ويجري عليها من الترميز ما هو متعارف عليه بين الجغرافيين.

آمل أن أكون قدّمت ما يفيد في هذه الأسطر القليلة فالموضوع كغيره من مواضيع العلم والمعرفة طويل شائك.

لك وللقراء تحياتي

ظافر بن علي القرني
السبت 5/1/1427هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-07-2006, 11:45 AM
يمكننا إضافة معلومات كثيرة إلى إجابة سؤال الأخت مريم عن كيفية قراء الصورة الجوية.

من هذه المعلومات أنَّه لا ينبغي لنا أن فرّق بين صورة وصورة في مفهوم قراءة ما فيها من أشياء. فلا يقول أحدٌ قراءة الصورة الجوية تختلف عن تلك التي في الاستشعار عن بعد أو عن تلك التي في الطّب مثلاً. فقد قلت في منتدى الاستشعار عن بعد أن الفرق بين الصورة (Photo) , والمرئية (Image) غير موجود سواء في المصطلحات التي تختلف باختلاف الأذواق في كثيرٍ من الأحيان.

ولا شك أن تصوير منطقة معينة من منظورين مختلفين لتكون الرؤية فيها مزدوجة كما في عيني الإنسان هو أفضل بكثير من تصوير تلك المنطقة من منظور واحد في لقطة واحدة . وحالة الازدواج هذه تسمى Stereo-image بينما تسمى اللقطة المفردة Mono-image أي Single Image

ونقول image لأن الـ Photo مصيرها تُمسح بماسح ضوئي فتصبح كتلك لا فرق.

ولقد استفاد أصحاب الاستشعار عن بعد من تقنية الازدواج هذه الموجودة في التصوير الجوي منذ الحربين العالميتين المعروفتين، فشرعوا في تطوير لواقط تمكّنهم من هذه الرؤية المزدوجة كما هو الحال في السبوت، والإكونس والكوك بيرد مثلاً، حيث لم تكن هذه المزية متوفرة في الـ MSS ولا في الـ TM من قبل. وما طوِّرت هذه المزية إلاَّ لتسهيل شأن الحسابات من الصور، ولرؤية المعالم فيها مجسَّمة (ثلاثية الأبعاد) ليسهل تفسيرها.

وهذا لا يعني أن من لديه مهارة التفسير لا يمكنه الاستفادة من الصورة المفردة ، ولكن لا ريب أن المنظر ثلاثي الأبعاد يعين حتى الذي لا يعرف على أن يقول شيئًا ما حول ما يراه في الصورة.

ولا ننسى أن هناك عناصر تعين الناظر في أمر الصورة بشأن تفسيرها منها: شكل الشي، وحجمه، ونمطه، ولونه وتدرجه، وبيئته، وغير ذلك مما تجدينه في أي كتاب من كتب الاستشعار عن بعد.

وهناك أشياء أخرى يمكن إضافتها إلى الإجابة، وقد نستطرد فيها، ما دام اسمي معلقًا في نوط المتواجدين في النادي ليل نهار منذ بداية الإجازة إلى اليوم.

تحياتي

ظافر بن علي القرني

الثلاثاء 8/1/1427هـ

مريم الحربي
02-08-2006, 09:23 AM
السلام عليكم ..
أشكرك على هذه المعلومات المفيدة ...

أقصد الأطياف ..

مثل اللون الأحمر في الصورة الجوية يدل على اللون الأخضر على الطبيعة..

هذا الذي أنا أريد أن أعرفة ..

جزاك الله خير ...

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-09-2006, 12:07 PM
تريد الأخت مريم الحربي أن تعرف كيف يدل اللون الأحمر في الصورة على اللون الأخضر في الطبيعة؟


سؤال جيد، نقول في الإجابة عليه:


ما يشعل التقنيات غير الحروب. والحروب نوعان: نوع بالكلمات، والآخر بالمدافع والطائرات؛ والثّاني أعتى وأمر.

في الحرب العالمية الثانية وظّف التصوير من الطائرات بشكل كثيف للسيطرة على ميدان المعركة العريض. ولاحظت إحدى الدول المتقدّمة تقنيَّا أنَّها تصاب بأذى من دولة تقنيّة أخرى رغم غلبة طيران تلك الدولة على مجريات المعركة. فالطائرات لا تتبيّن أهدافها، وتقصف أماكن العدو حسب ما يبدو لها، فتفاجأ بنشاطه مرةً أخرى. فطن علماء هذه الدولة إلى أنَّه قد يكون هناك حيلاً متّبعة من الخصم في الأرض للتمويه عليها وعلى طيرانها في الجو. وقد تكون أقرب تلك الحيل أن المدافع وجنود المدافع تُغطّى بأغصان الشجر، فتصبح كالغابة في أعين الخصم، فلا يستهدفها من الفضاء. من هنا بدأت التجارب السريعة على تطوير فلم تصوير لا يقتصر على الألوان المعتادة (الأزرق، والأخضر، والأحمر)؛ بل يتجاوزها إلى ما يمكن أن يميّز حال الشجر المقطوع من حال الشجر الحيّ فتعرف الغابة الحقيقة من الغابة الوهمية.

الجدير بالذكر أن الطيف الأزرق ذو موجات ضوئية طولها من 0.4 إلى 0.5 ميكرون، والأخضر من 0.5 إلى 0.6 ميكرون، والأحمر من 0.6 إلى 0.7 ميكرون تقريبًا.

وُجد بالتّجربة، والمعركة على أشدّها، أنّ الشجر الحي (العامر بمادة اليخضور) يعكس طاقة كبيرة متميّزة في ما بعد الأحمر (0.7 ميكرون إلى ما بعده بقليل). فقاموا بصناعة هذا الفلم الجديد الذي يظهر فيه الشجر الحي أحمرًا بطبيعة الموجات التي يعكسها فيتميَّز بذلك عن الشجر الميت التي قلَّت فيه هذه المادة فلا يعكس طاقة بيّنة في المدى من الطيف.

استخدمت هذه الأفلام الجديدة التي سموّها خادعة أو غير كاذبة (False color)، فانقلب السحر على الساحر، حثث تبيّنت الغابات الحقيقية من سواها في ميدان المعركة. وتمَّت الغلبة لمن وظَّف العلم، وأعطى العلماء حقَّهم في حرية البحث والاستنتاج.

من هنا دخل في التقنية أفلام ملونة جديدة مصنوعة لتتحسّس اللون الأخضر والأحمر وما بعد الأحمر، لتمييزها عن الأفلام المعتادة (Normal color films) التي قوامها الأزرق والأخضر والأحمر كما قلنا من قبل. وأقول هنا ما بعد الأحمر هروبًا من مصطلح ما "تحت الحمراء" لأنّها عندي فوقها وليست تحتها كما هو واضح من تزايد طول الموجات الضوئية:
Blue (أزرق), Green (أخضر), Red (أحمر) , Infrared (ما بعد الأحمر).

وقد أبحرت تقنيات الاستشعار عن بعد في هذه الأطياف وما بعدها بعد ذلك إلى يومنا هذا كما هو مشاهد ملموس.

عسى أن تكون الفكرة واضحة، وإذا لم تكن، فيمكنني صياغتها بأسلوب آخر.

ظافر بن علي القرني

الخميس 10/1/1427هـ

بشير الشمري
02-09-2006, 01:53 PM
فعلا معلومات في قمة الروعة من أد.ظافر
في نظري ان استخدام تقنية الاستشعار عن بعد في الحروب وابادة الابرياء هي من الجوانب السلبية لهذه التقنية المتسارعة في التطور لكنها ضريبة العلم وكما قيل "السلاح ذو حدين"
زدنا من هذه المعلومات القيمة أستاذنا الفاضل

والآن جاء دوري في الاسئلة:
أ.د ظافر/ عندنا قرية في حائل تقع في (جو) من النفود
تعريف الجو: أرض منخفضة تحيط بها الكثبان الرملية من ثلاث جهات وجهة واحدة جبل وهذا الجبل هو المسؤول عن تكون هذا الجو فلولا الجبل لما انحفر هذا الجو..انتهى
اعود للسؤال:
هذه القرية الحالمة كان يعيش بها مجموعة من السكان في مساحة ضيقة من جهتها الشرقية, وبعد تكاثر السكان توسعوا وانتقلوا الى الجهة الغربية باتجاه الجبل واستوطنوا في وسط القرية والملفت للنظر انه عندما كانوا في شرقي القرية كانت الرمال ساكنة ولا تزحف على منازلهم او مزارعهم وآبارهم ولكن بعد ما انتقلوا الى من شرقيها الى وسطها وغربيها بدأت الرمال تزحف على بيوتهم القديمة ومزارعهم وطمرتها واختفت آبار سبق وأن وقفت عليها شخصيا ولم أجدها الآن.. وتساؤلاتي هي:
1- ما هو تفسيرك لهذه الظاهرة الغريبة؟ أي لماذا لم تزحف الرمال الا بعد ما رحلوا وكأنها (حنّت) عليهم وتريد ان تتبعهم.
2- كيف لي أن أوظف تقنية الاستشعار عن بعد في رصد هذه الظاهرة التي حيرت ابناء القرية؟ هل استعين مثلا بمرئيات (قبلية) و(بعدية)
آسف على الاطالة ولكن أسئلة الاخوة واجاباتك الوافية حركت بداخلي واثارت شجون وتساؤلات متراكمة
ودمتم بود
بشير

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-10-2006, 11:38 AM
يسأل الأستاذ بشير عن سبب زحف الرّمال على قرية يعرفها في حائل بعد أن غادرها أهلها... ويريد أن يخضع المكان لدراسة علمية.
الجواب:

نحييك ونشكر لك نشاطك المشاهد في هذا النّادي الجميل.

أمور كهذه تدخلها تخصصات بقدر عناصر الطبيعة المؤثرة فيها. فأهل الرّمال لهم حضورهم، وكذلك أهل الرياح، وأهل الماء، وأهل الزراعة، وأهل الجيولوجيا، وأهل الأثار، وأهل التأريخ، وأهل علوم الاجتماع، وأهل علم ....إلى آخر القائمة التي لا تكاد تنتهي. وكلّ علم من هذه العلوم يرى ذووه أن بعضهم أولى من بعض في النظر في ما يجري على الأرض من تغيرات. ولو سألت صاحب كلّ تخصص لأفاد بشيء من جانبه مفيد مع غيره. ولكن كيف للمرء أن يجد كلّ هؤلاء ويسألهم. فلا باس إذن من أن يُطرح السؤال هذا في نادٍ عام، ويدلي كلٌّ بدلوه حسب مايراه.

وقد لا أرى غير تفسيرين لما حدث لقريتكم الحالمة جوار ذلك الجبل الغربي.

الأول: إن الإنسان إذا حلَّ في مكان أحياه وعمره. ومن إحيائه دفع العوامل الطبيعية الأخرى المؤثرة عنه، سواء بشكل جماعي أو فردي ... وللإنسان قوة جبارة وإن كان من أضعف مخلوقات الله. فالظاهر أنَّه عندما كانت القرية عامرة بِأههلها لم تعمر بالرّمال، وعندما غادروها، عمرت بها. ويصح هذا الرأي إذا كانت الرّمال تراكمت على جزء القرية المهجور تدريجيًّا عبر السنين التي شهدتها. أمَّا إن كانت جاءت فجأة فنأتي إلى التفسير الثّاني.

الثَّاني: تغيرات مناخية تجعلنا نأخذ رأي أصحابها بحسب التّخصصات السابق ذكرها. فقد يكون طرأ تَغيّر في هبوب الرّياح، أو حدث نشاط عمراني أثّر في مسارها، أو طرأ جفاف ساعد على تحرّك الرّمال، أو غير ذلك من العوامل.

وقد يكون تضافر السبابان، فكان ما كان.

أما تفسيرك لما حصل، فهذا تفسير سياحي لو أخذنا به لرأيت كلّ سائح يتصوّر أنَّه يجر وارءه ظاهرة من ظواهر الأرض؛ وإن كان قال الرسول الكريم: "هذا أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه"، وحنَّ له، صلى الله عليه وسلَّم، عود منبره.

ولقد رأيت في قريتي مشاهد عجيبة سجلت بعضها في قصيدة عنوانها: امتداد الزمان وانقباض المكان: البيت القديم مثالاً. وهي في ديوان الإنسان ذلك الشيء. وقد أعود فأسرد بعض ما شاهدته فيها وسببه نثرًا، إن وجدنا في الوقت سعة.

ولا بد لنا من عودة نتحدّث فيها عن إمكانية دراسة ما رأيته بوسائل أرضية أو فضائية.

شكرًا لك على سؤالك وطابت أيامك ولياليك.

ظافر بن علي القرني الجمعة 11/1/1427هـ

عزيزة الشهري
02-10-2006, 01:08 PM
أستوقفني بالفعل المشكلة التي طرحها الأستاذ ... بشير الشمري ... بخصوص القرية التي تشهد زحف

للرمال بشكل غير مألوف أو معتاد عليها من أهل القرية ، لأن هذه المشكلة لها عواقب خطيرة جدا خصوصا

إذا كانت القرية زراعية ... و حدث مثل هذا في منطقة الأحساء في شرق المملكة فهي منطقة زراعية

لكن مشكلة الرمال و زحفها أكبر ضرر تواجهه هذه المزارع لذلك قامت هناك العديد من الأبحاث لدراسة

الطريقة التي يمكن بها الحد من هذا الزحف الكبير ..

لذلك أنا أوافق الدكتور ظافر أن قريتكم ياأستاذ بشير لا بد أن تحضى بالدراسة الجادة و ألآ يستهان بالأمر

فهذا وحدة موضوع جدير بالبحث لمن يبحث عن موضوع بالنسبة لتخصصنا جغرافيا فيستطيع دراستة من

الناحية ( الجيومورفولوجية ) أو كما ذكر _ الدكتور ظافر _ من الناحية المناخية .

موضوع رائع و قصة حزينة لهذه القرية

بشير الشمري
02-10-2006, 02:56 PM
(فقد يكون طرأ تَغيّر في هبوب الرّياح، أو حدث نشاط عمراني أثّر في مسارها، )

أيها الاعزاء أ.د. ظافر وأ.عزيزة اشكر لكما تفاعلكما مع طرحي السابق المتمثل في مشكلة بيئية حقيقية تهدد واحة وادعة في احضان النفود.
أستوقفتي العبارة أعلاه والتي اقتبستها من التشخيص الأولي للدكتور ظافر لحالة هذه القرية ساعتها تذكرت قول كبار السن في هذه القرية بأن النشاط العمراني هوو السبب ولا سبب غيره ويضيفون بقولهم:
انه عندما كنا نستوطن شرقي القرية كنا نصد الرياح بمنازلنا ونخيلنا الباسقة وحركتنا الدؤوبة ولكن بعد انتقالنا اصبح مكان استيطاننا السابق مسرحاً للرياح تصول وتجول وبالتالي اطلقت الرياح سراح الرمال لتشكل (الزحف الكبير) على آبارنا ومزارعنا
آه لقد احزنني بئر كانت لجدي من أمي وتوارثتها اخوالي من بعده كانت تمثل لي مراتع الصبا وقصص الطفولة البريئة وعندما ذهبت لأقف على أطلالها لم أجدها فقيل لي أنها طمرت من سنوات قليلة
احبتي مرة اخرى اشكر لكما اهتمامكم وأعدكم بأن اتبنى محاولات لايجاد حل لهذا المشكلة
ودمتم بود
بشير

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-11-2006, 07:22 PM
الحمد لله أن وافق نظري في حال القرية المدفونة في الرّمال نظر كبار السّن فيها، فالعلم يقوم على المشاهدة، ورصد التّغيرات بما أمكن من وسائل؛ وأول الوسائل حواس الإنسان التي منحه الله إياها.

وشكرًا للأخت عزيزة على إضافتها الجيدة، فكل صاحب تخصص يستطيع أن يدلو بدلوه. وأنا معجب إعجابًا شديدًا بكلمة المناخ؛ وإن كنت أظن أنَّ هذه الكلمة تقيّد بقيود تعريفية صارمة من أهل التَّخصص اليوم، فأنا استعملتها لأنّه لم يبق في ذاكرتي من الجغرفيا إلاَّ "حار جاف صيفًا، بارد ممطر شتاءً، مع شيء يسير من "عوامل التعرية"، وبعض "الصادرات والواردات".

وبما أن المعلومات عن القرية المغمورة أصبحت شحيحة، فأيّ معلومة يمكن الحصول عليها لا تهمل مهما قلَّ شأنها. فإذا أمكن أخذ معلومات وصفية تفصيلية من أهلها الذين يعرفونها تمام المعرفة، قبل اندثارها، فهذا جيد. وإذا أمكن الحصول على صور قديمة قبل الاندثار وخلاله فستعين كثيرًا. ويمكن الاستعانة بصور الرَّادار فقد تعين في الأماكن الرّملية إلى عمق يصل متر ونصف المتر. والأمر يعتمد على مدى رغبة أناسها في تعميرها من جديد. فقد تكون الرّغبة غير قائمة أصلاً، لوجود البديل. إذا كان هذا هو الحاصل، فتبقى مسألة دراستها مسألة توثيقية، قد تفيد الأجيال القادمة وتعينهم في أمر ما.

والله تعالى أعلم.

شكرًا لكما وللقراء جميعًا.

ظافر بن علي القرنيالسبت 12/1/1427هـ

مريم الحربي
02-15-2006, 09:05 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أتقدم بالشكر لسعادتكم على هذا الشرح المفيد والمعلومات الجديدة ...

لدي إقتراح ..

أتمنى من سعادتكم طرح مشكلة تمت معالجتها عن طريق الاستشعار عن بعد .. وأن تكون من بداية المشكلة إلى

إيجاد الحلول ..

لكي يعرف ما هو المقصود بالاستشعار عن بعد وكيف يستخدم في حل المشكلات الجغرافية ..

شكراً لكم ..

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-17-2006, 08:38 AM
تقول الأخت مريم في سؤالها، بعد الثّناء على ما تقرؤه في هذا الحوار المفتوح: أتمنى من سعادتكم طرح مشكلة تمت معالجتها عن طريق الاستشعار عن بعد .. وأن تكون من بداية المشكلة إلى إيجاد الحلول .. لكي يعرف ما هو المقصود بالاستشعار عن بعد وكيف يستخدم في حل المشكلات الجغرافية ....

شكرًا للأخت مريم على إشادتها بما يُطرح في هذا الحوار، وعلى سؤالها القيم... وأقول إن من توجهات النّادي أن يُعلِّم ويدرَّب أعضاءه على ما أمكن من تقنيات متاحة في مجاله. وقد بدأ فعلاً بطرح الأسس النّظرية لنظم المعلومات الجغرافية، على أن يتبعها بعد ذلك تطبيق عمليّ مباشر ستعرف آلياته بعد الفراغ من طرح الأسس، ومناقشتها من قبل الأعضاء المهتمين. فندعو الجميع إلى المشاركة، والحوار لتعمَّ الفائدة. وأظن أن الأخت عزيزة الشهري اقترحت على النَّادي تعليم نظام الآيرداس لمن يرغب على غرار تعلّم أرك جي أي إس؛ فثنّى الأستاذ فهد الأحمدي (على ما أظن) على اقتراحها، ولكن بعد الفراغ من ما شرع فيه النَّادي أولاً. والأيرداس برنامج ضخم يُعد من أفضل البرامج في معالجة الصّور الرّقميّة الملتقطة بواسطة الاستشعار عن بعد أو غيره.

والمشكلات التي يمكن معالجتها بتقنية الاستشعار عن بعد كثيرة لا يمكننا حصرها لتعدّد المجالات التي تسترفدها، ولتطوّرها السّريع وتغيّرها ممَّا يكسب دائرة تطبيقاتها اتساعًا عظيمًا مشهودا. ويمكنني هنا أن أسوق بعض المفاهيم وأشير إلى بعض التنبيهات عند استخدام تقنية الاستشعار عن بعد في حلول المشكلات الجغرافية أو غير الجغرافية.

ومن أول التنبيهات أن لا تُحصر تقنية الاستشعار عن بعد في تصنيف ظواهر الصور (Image Classification)، أو في رصد التَّغيّر الظاهر فيها (Change Detections) لأسباب منها ما يلي:

أولاً: أنَّ هذه التَّقنية مكّنت في بدايتها المستخدم للمرّة الأولى من النّظر إلى مساحة كبيرة من الأرض نسبيًّا فعمد إلى دراسة ما في هذه المساحة من تغيّر وما فيها من أشياء. فكان التّصنيف والرّصد مع قلّة الاكتراث بالدّقة الهندسية في المنتج لقلتها آنذاك. ثمَّ تطوّرت هذه التَّقنية تطوّرًا سريعًا حيث أخذت ببعض ميادئ المساحة التصويرية الجويّة (Photogrammetry) في تداخل التّغطية وفي الدّقة. فأصبحت تمكّن المستخدم من رؤية الأشياء مجسَّمة في حدود سنتمترات معقولة قابلة للتَّحسّن في المستقبل القريب. وعلى هذا ينبغي لنا أن نوسّع مدى النّظرة القديمة المنحصر في التّصنيف والرَّصد، لتطول تطبيقات المساحة التصويرية وهي كثيرة أيضًا.


ثانيًا: ينبغي لنا دائمًا أن نحرص على ربط الصور بالأرض عن طريق نقاط تحكّم من شبكات أرضية معلومة، أو من أرصاد مساحية بتقنيات الجي بي إس أو غيره لتكون المعلومات المستقاة من الصور بعد المعالجة صحيحة (دقيقة)، متّسقة مع غيرها غير شاذة عنها.

ثالثًا: ينبغي لمن يهتمّ بتقنية الاستشعار عن بعد أن يجعلها متّصلة مع غيرها من التّخصصات الأخرى وما أكثرها، ومتضافرة مع سواها من التَّقنيات المتاحة كنظم المعلومات الجغرافية، ونظم الرّصد المتطوّرة، ولا ينظر إليها كتخصّص مستقل مكتف بذاته.

رابعًا: هناك مجالات رحبة يمكن الانطلاق إليها من خلال الاستشعار عن بعد للميزاته الكثيرة من أهمِّها تطويع الآلة للقيام بعملية تفسير الصور دون أدنى تدخل من الإنسان. .... (Automatic Interpretation). ولا نعني بهذا ما هو موجود منه الآن، بل الهدف أبعد من ذلك بكثير.


وقد كتبت قبل سنوات قليلة بحثًا بعنوان: أوجه التشابه والاختلاف وآفاق التكامل التقني والمنهجي بين المساحة التصويرية والاستشعار عن بعد. نشرته الجمعية الجغرافية السعودية في مجلة "سلسلة بحوث جغرافية" العدد 52، يمكن العودة إليه وإلى غيره لمن يريد الاستزادة، وبالله التّوفيق. ونوط (رابط) الجمعية موجود على صفحة هذا النادي.

شكرًا لمريم وللقراء جميعًا.


ظافر بن علي القرني

الخميس 17/1/1427هـ

مريم الحربي
02-20-2006, 12:53 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

أتقدم بالشكر لسعادتكم على هذا التوضيح ...

حمود العنزي
02-26-2006, 09:33 AM
سعادة الدكتور ظافر القرني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شهد اللقاء المفتوح الأول مع سعادتكم طرح العديد من الأسئلة وفي شتى المجالات مما كان لها الأثر الايجابي في أثرى اللقاء ألانه دائماً ما تكون هنالك أسئلة يتوقع الضيف أن تطرح علية ولم تطرح.
فما هو السؤال الذي توقعت أن يطرح عليك ولم يقم احد بطرحة و ماهي اجابته؟

أ. د. ظافر بن علي القرني
02-26-2006, 06:40 PM
حيا الله الأستاذ الفاضل حمود العنزي، وبارك في جهوده الجميلة.

لم يكن في ذهني سؤال معيّن لم أسأله، فمجال الأسئلة واسع رحب ويمكن أن يأتي السؤال من أيّ جهة في أي وقت. ولكن يمكن أن أقول أن هناك أسئلة أود لو سئلت عنها، مثل اسؤالين التّاليين:
الأوّل: هل نحن في التَّقنيّة؟ وإذا لم نكن فيها، فما العائق الأعظم بيننا وبينها؟ وكم هي المسافة الزّمنيّة الفاصلة بيننا؟ والثّاني: ما أعظم فوائد الإنترنت في عالم اليوم؟
وأقول في إجابة السؤال الأول نحن لسنا في التَّقنيّة ولا حولها، وإنَّما نراها من بعيد فلا تبين معالمها لنا، ولكنَّها شيءٌ يتحرّك بسرعةٍ مذهلة، فلعلَّه أن يغرينا بالحركة في يوم ما .
وأعظم عائق بيننا وبين التَّقنية هي التَّقنية نفسها. فهي لم تنبع من بيئتنا لحلول مشاكل نعاني منها، وإنّما نبعت من بيئة غيرنا لتعالج مشاكل لديها، فرغبنا فيها، فزاد العنت والإرهاق. ولذلك فالتَّقنيّة تسير بسرعة هائلة بينما حركتنا في بيئتنا حركة بطيئة تكاد تكون ساكنة. وأكبر دليل على ما نقول كارثة باخرة السّلام المصرية في بحرنا بين دولنا التي تزخر، حسب ما نسمع بتقنيات عظيمة أصمت مسامعنا، وبهرت عيوننا، وأشغلتنا بأوهام عظيمة ما عدنا نرغب الفكاك منها لجمالها السّاحر.
ها هي أمّة كبيرة من النَّاس تغرق بين شاطئين لا يبعدان عن بعضهما كثيرًا، فلا يُعلم عنهم أحد، ولا يفزع أحدٌ من سكان الشّاطئين لنجدتهم. ولو أنَّهم صارعوا الموت في البحر لعدد من الساعات لعذرنا من يرعد ويبرق بالتَّقنيات الحديثة، ولكن من بقي حيًّا منهم عاش ليلين أسودين في بحر أسود في موج عاتٍ في هلع وخوف وعذاب شديد. فأين هي التَّقنية؟ ألم أقل إنَّها صنعت لغيرنا لحلول مشاكل واكبت نهضتهم وتطوّرهم. إنّني على يقين أنّه لو لم تحلّ هذه الكارثة بهذه الباخرة، وسئل أحدٌ من طاقمها: هل أنتم مستخدمون للتَّقنيّة الحديثة في الإبحار؟ لما توانى في الرّد بنعم، وربما قال بل نحن نستخدم أفضل التقنيات التي لا توجد عند الدول المتقدّمة. يا لله العجب! ما أجرأنا على هدر حقوق بعضنا في أيّ شيء ولأيّ شيء.
ولك أيّها القارئ أن تقيس على هذه الكارثة غيرها ممّا لا تظهر آثاره للعين في زمن قصير كزمن الباخرة. وربما أتيحت لنا فرصة في الحياة فنقول عنها شيئًا في مكان آخر.
لقد ركبت مع أصحاب "التّكاسي" في أمريكا كثيرًا، فوجدت الشَّركة المشغّلة لهذه الوسيلة على تواصل مستمر مع السّائق بالوسائل المتاحة آنذاك؛ تسأله أين وصل، وكم بقي له من الوقت لكي يصل. وها هي عندنا مدينة كاملة تغرق في البحر، في اللّيل، في مشهد لا تصفه الكلمات. إذن، لا ريب أن التَّقنيّة التي لا نعرفها ولا نستخدمها حقّ استخدامها أصبحت عائقًا كبيرًا بيننا وبين التّقنيّة، ولله في خلقه شؤون.
أمَّا المسافة الزّمنيّة بيننا وبين التّقنية الصحيحة فمن الصّعب تقديرها بدقّة؛ ولكن يمكن أن نقرّبها للقارئ فنقول هي من السّنين بقدر ما لدينا من القدرات الأجنبية في مجال التَّقنية. ضع لكل رأس سنة، ثمّ أضرب لتحصل على النَّتيجة. هذه نتيجة المتفآئلين أمثالي، أمَّا نتيجة غيرهم فاضربها في ثابت يروق لك شكله وحجمه، وعليك الحساب.
وفي إجابة السؤال الثاني، نقول فوائد الإنترنت كبيرة وعظيمة منها معرفة العالم الخارجي بالإسلام في وقت تقاعس أبناؤه عن نشره في الأرض. لقد مكّنت هذه التَّقنية أهلها أن يعرفوا بعض حقيقة ما لدينا من صلاح المنهج، مع ضعف الحيلة، فهم أمر مريج. وأسوق مثالاً واحدًا هنا أيضًا لتبيين الأمر. كلنا يعلم أنّ في كلّ عصر ومصر من سخّر نفسه للشّيطان فسخر من رسول الأمّة محمد صلى الله عليه وسلَّم. وما كانت الأمم تسمع بهذه السخرية من قبل إلاَّ في نطاق ضيّق ولو كبر. فلا تجد لها ردّة فعل، وإن وجدت كانت ضعيفة. واليوم شهدنا معرفة العالم لعظمة الإسلام ونبي الإسلام بعد أن سخر من سخر منه، على السّاخرغضب الله. لمن الفضل، بعد الله، في نشر الوعي في الأرض؟ أليس لهذه الشّبكة التَّقنية العظيمة. أقول: على الرّغم من كثرة الفساد الّذي تنشره، فإنّي على يقين أن الحقّ سيمحقه من خلالها بحول الله، ولو طال الزّمن.

ومن فوائد الإنترنت أنَّها تتجاوز بصاحب الفكر حواجز المكر البشري الذي يمارسه بعض المرضى فكريًّا، فتقفز به إلى المدير من فوق رأس السكرتير، وإلى صاحب القرار من على رؤوس المستشارين. وهذه حسنة عظيمة ستختصر الطَّريق نحو نحو التَّطوّر والإصلاح، بحول الله. ولها حسنات غير ذلك، لكن فيما قيل الكفاية.

شكرًل لك يا حمود وللقارئ أينما كان.

ظافر بن علي القرني

الأحد 27/1/1427هـ

أ. د. ظافر بن علي القرني
03-01-2006, 07:10 PM
كانت رحلة ممتعة مع أعضاء النَّادي وزواره من غيرهم ارتدنا فيها منابع الفكر، وصعدنا جباله، وتفيأنا ظلاله لمدّة ثلاثة اشهر كأنَّها من حسنها ثلاثة أيام. ولقد اجتاحني شعور من الحزن ممزوج بشيء من الفرح عندما أخبرتني الإدارة بقرب إنتهاء الفترة المحدّدة للّقاء المفتوح الأول في هذا النادي العامر برواده من كلّ أقطار الأرض. وما الحزن إلاَّ لانقطاع التواصل عبر هذا الباب؛ امَّا الفرح فلإمكانية الانصراف لغيره، وإنجاز مثله في موطن آخر من مواطن الإبداع الكثيرة. والمرء لا يدّعي أنّه أصاب في كلّ ما قال، ولا أرضى طموح السائل؛ ولكن يكفينا التَّعارف لنتعاون فيما يفيد وينفع في مجال يعدّ من أوسع مجالات التّقنيّة في عالم اليوم.

شكرًا لإدارة النادي على ثقتها التي أعتزّ بها.
وشكرًا لمن سأل ثقةً منه بأنَّه سيخرج ولو بشيء من الإجابة
وشكرًا لما تفضلتم به من ثناء على هذا اللقاء
وشكرًا للقارئ أينما كان

وأقول ما قال الأول:

مُنىً إن تكن حقًا تكن أسعد المُنى وإلاً فقد عشنا بها زمنًا رغدا

أ. د. ظافر بن علي القرني
استاذ الهندسة المساحية ونظم المعلومات الجغرافية
جامعة الملك سعود
كلية الهندسة – القسم المدني
الرياض
www.dr-algarni.net

الأربعاء 1/2/1417هـ

إدارة النادي
03-05-2006, 09:30 AM
http://www.gisclub.net/vb/uploaded/dr_dafir.bmpفي نهاية هذا اللقاء نتقدم بخالص الشكر والتقدير لسعادة الأستاذ الدكتور ظافر القرني (http://www.dr-algarni.net/) على ما قدم من الكلمة الطيبة والمعلومة المفيدة والتوجيه الأبوي الكريم، ورغم علمنا بمشاغله الجمة و أعبائه الكثيرة فقد أعطى ضيفنا الكريم الكثير من وقته على حساب أعماله الأخرى.
فباسم
نادي نظم المعلومات الجغرافية
نشكر سعادته على ما قدم ونسأل الله له التوفيق