الدِّقة والصّحة من منظور هندسي مساحي
[align=justify]لقد أغرتني بالمشاركة الملاحظة العلميّة الجيدة التي تفضّل بها الدكتور علي الغامدي والمادة العلمية القيمة التي أسهم بها الأستاذ الدكتور ناصر ، وإن كنت على سفر ، فأختصر مشاركتي في أمرين اثنين:
أولهما: أن أمر الصحة والدقة لا يفهم في الخريطة ولا في قاعدة المعلومات ما لم يفهم على الطبيعة فهما عمل تقريبيّ لها، كما بيّن ذلك الدكتور ناصر. وعلى ذلك، ينبغي العودة بالقارئ إلى مفهوم الصحة والدقة في القياسات المساحية التي منها تكوّن الخريطة وقاعدة المعلومات، ليسهل عليه بعد ذلك تطبيق المفهوم في أي مقام يلزمه. ولتوضيح الفرق بينهما من منظور مساحي، نتصور أننا أرسلنا فرقتين ميدانيتين بجهاز قياس المسافة، لقياس مسافة ما خمس مرات متتالية. ولسوء الحظ كانت إحدى الفرقتين غير متمكّنة من عملية القياس؛ ولكننا لا نعرفها فنعتذرها. جاءتنا الفرقة الأولى بالقياسات التالية: 20م، 23م، 19م، 21م، 22م. وجاءتنا الفرقة الثّانية بالقياسات التالية للمسافة نفسها: 26م، 26م، 27م، 27م، 26م.
بمجرد النّظر إلى هذه الأرقام، نعلم أن القياسات الثانية أدق من الأولى؛ لأنَّ الفروقات بينها قليلة. إذن مفهوم الـ precision عُلم.
ونحن في الواقع لا ندري أي العملين هو الصحيح (accurate) وإن كانت ظهرت لنا الدَّقة ( Precision) في العمل من أول وهلة. والسبب في عدم معرفتنا أننا لا ندري كم هي المسافة أصلاً، ولو كنَّا ندري ما أرسلنا الفرقتين إلى الميدان، ولوقَّعنا المسافة على الخريطة أو في قاعدة المعلومات مباشرة دون عناء.
وفي أمر كهذا لا مناص من إرسال فرقة ثالثة ذات خبرة عالية في القياس، لتؤيد إحدى الفرقتين، وتنهي الإشكال. دعونا نتصور أن الفرقة الثالثة جاءت بالقياسات التالية: 22، 23، 21، 20، 20 م. إذن الفرقة الأولى قيساتها صحيحة وإن كانت غير دقيقة، والثانية قياساتها دقيقة ولكنها غير صحيحة رغم جمالها.
ويمكننا الآن حساب المسافة الصحيحة من عمل الفرقة الأولى، التي لو لم نتأكد من عملها، لتعرضت لشيء من التوبيخ كون قياساتها متباعدة عن بعضها بعض الشيء.
والمشكلة العويصة هنا هي أنّنا لا نعلم كم هي المسافة الحقيقية، ولو علمنا لسهل علينا أن نقول هذه الأرقام صحيحة، وهذه دقيقة أو العكس. ولذلك ينبغي أن لا نثق كثيرًا في الأرقام التي بين أيدينا ولو ظهر لنا أنَّها دقيقة لسبب ما. والواقع أن ما نقوم به من حسابات للاقتراب من الرقم الصحيح لا يعدو كونه محاولات علمية ناقصة مهما بلغت من الكمال في تصوّر بعض من يستخدمها من المهندسين وغيرهم.
ولا ريب أن أحسن الأحوال أن تكون المعلومات التي نحصل عليها صحيحة دقيقة في الوقت نفسه، وهذا ليس بغريب أن يحدث، بل هو المطلوب، وإن كان غيره واردًا أيضًا.
يمكننا الآن تطبيق هذا المفهوم على الخريطة أو قاعدة البيانات أو غيرهما من وسائل مستقبليّة أيًّا كانت طبيعتها.
هذا هو أول الأمرين،
وثانيهما: أنني لاحظت استخدام وحدات القدم بدلاً من المتر في معرفة صحة "معلومات الخريطة" حسب مقياسها، علمًا أن المتفق عليه أن يسود النظام المتري، ويُنسى الآخر، فهل الموقع الذي تكرّم الدكتور ناصر وعرض معلوماته القيمة لم يحدَّث منذ زمن، أو ماذا؟
ولا يفوتني أن أنصح الأعضاء بقراءة المعلومات الواردة في الأنواط التي وفرها أ. د. ناصر، فهي مهمة لكلّ من يهمه شأن الخريطة وشأن المعلومة التي تحملها.... ومن منَّا لا يهمه ذلك.
تحياتي للجميع
أ. د. ظافر بن علي القرني
الإثنين 23/12/1426هـ [/align]