Geomedia Pro GIS & ArcGIS
[align=justify]شكرًا للأخت هنادي على سؤالها المهم، وسأجعل الإجابة عليه في وقفات مختصرة ليسهل الوقوف عليها بحول الله.
الوقفة الأولى: إنه ليس في تقنيات مجالنا ما يمكن أن يقال عنه سهل باطلاق أو صعب باطلاق؛ إذ السهولة والصعوبة تأتي من قبل المستخدم نفسه؛ فما يراه شخص سهلاً، قد يراه آخر صعبًا، والعكس يصح كذلك. وما يقال عن اليسر والصعوبة في التقنيات يقال عن قضية التفاضل بينها. ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.
الوقفة الثانية: إننا نريد أن نكون من مبدعي التقنية لا من مستخدميها فقط، فبقاؤنا في مصاف المستخدمين يجلب لنا المشقّة والعنت. وإمكانية أن نكون من مبدعيها ليس با لأمر الصعب فنحن "جيل البرمجة" وميلاد الحاسب الشخصي حديث جدًا لمن لا يعلم ذلك. لأنَّنا إن لم نصبح من مبدعيها بقينا ضحية الدعاية والإعلان القائمين على مهارة اصطياد الزبون بأي وسيلة كانت بشرط أن لا تثير حنقه، وما ضرّ لو علم في مقبل الأيام أنَّه اصطيد بوسيلةٍ غير نزيهة.
الوقفة الثّالثة: إنه من خلال اطلاعي اليسير وإلمامي بجوانب من تقنيات نظم المعلومات الجغرافية فإن الشركات المعنية بتطوير تقنياتها على دراية بمكامن الصعوبات فيها، ولذلك يجهد كلٌ في محاولة الوصول إلى الحلول المثلى لهذه الصعوبات أو المشكلات، وإن اختلفت عناوين تلك الحلول من شركة لأخرى، وهذا جانبٌ تطرقت له في كتابي: "العلم والتقنية: رؤية هندسية مغايرة للمألوف" الذي آمل أن أصدره قريبًا. أقول هذا لأنَّه في الوقت الذي نرى فيه "انترقراف" تطرح برامجها ذات الانفتاح الكبير على المعلومات باختلاف مصادرها وباختلاف برامجها، من خلال تقنية GIS Geomedia Pro، نرى "إزري" تلوّح بحلولٍ مماثلة في تقنية ArcGISالأخيرة من خلال ما يُسمّى Interoperability. فالهم واحد، كون القضية المعالجة واحدة، وإن اختلفت أساليب تناوله والتعامل معه.
الوقفة الرَّابعة: إن المشكلة تبقى في معايير الاختيار بين هذه التقنيات من قبل المستخدمين؛ وهل الأفضل التنويع أو التوحيد؟ وما جدوى كل اتجاه من هذين الاتجاهين؟ وغير ذلك من الأسئلة المهمة ... ...
أقول قد يكون التنويع هو الأمثل في الجوانب الدراسية (التعليمية والبحثية) لتكون الفائدة الشاملة والاختيار الأمثل لأنسب الحلول للمسألة المراد حلها، ولغير ذلك من الأغراض التي لا تخفى. أما في الجانب الانتاجي فقد يكون لتوحد التقنيات ما يبرره من حيث تضافر الجهود، وتسهيل سريان المعلومات بين المهتمين، وعدم جعل اختلاف نوع التقنية ذريعة لعدم التعاون والترافد بين المعنيين، وليكثر سواد المتعاملين بهذ النوع من التقنية فيصبح لهم كلمة مسموعة, وغير ذلك كثير..... وهنا يأتي سؤال معقول: هل على الأخت هنادي أن تتحوّل إلى تقنية ArcGIS لأنَّه السائد في مثل نادينا هذا؟ ليس عليها ذلك الآن، ولها بعد الانتهاء من مرحلة البحث والدراسة أن تقدّر المسألة بقدرها....
الوقفة الخامسة: إن برامج التقنيات تتدانى وتتقارب بشكل ملحوظ، فمن عرف واحدة منها أصبح من السهل عليه تناوش الآخرى واستخدامها دون كبير مشقَّة. وسيكون التداني في المستقبل أكبر وأعظم ... وهذا جانب حاولت تناوله في الكتاب المذكور آنفًا إن يسر الله خروجه.
الوقفة السادسة: لست بذي خبرة جيدة في برامج الانترقراف وإن كنت اطلعت عليها وحضرت بعض ما قُدِّم فيها من محاضرات ولقاءات، وقرأت عنها في أبحاث قليلة استخدمت تلك التقنيات؛ ولعل الأخت هنادي -إن اسعفها الوقت - أن تجعل بين يدي هذه النادي بعض ما تعرفه عنها، فربما وجدت من يميل إلى ما مالت إليه وتصبح في فريق متنامٍ متضافر.
هذا بعض ما تجمّع لي من أفكار تتناثر أحيانًا فلا أصيد منها إلا القليل.
تحياتي ودعائي للجميع بعيد سعيد.
ظافر بن علي القرني
يوم عيد الحج لـ 1426هـ [/align]
[movek=right]سم سمة في الأرض تحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمة [/movek]
دور برنامج الهندسة المساحية في تغيير الصورة المعهودة
[align=justify]يقول سؤال الأستاذ الكريم فهد الأحمدي: بحكم عملكم كعضو هيئة تدريس بقسم الهندسة المساحية- هل تعتقد أن هذا القسم ساعد في تحسين صورة مفهوم علم المساحة بين طلبة الجامعة بخاصة وبين العامة بعامة أم أنه لا تزال النظرة محدودة وقاصرة وغير واضحة لدى الكثيرين?
استطيع أن أقول باختصار شديد أن برنامج الهندسة المساحية الذي أنشئ منذ عام 1408هـ في القسم المدني بجامعة الملك سعود ساعد كثيرًا في تحسين صورة مفهوم علم المساحة بين الطلبة وغيرهم من عامة النَّاس؛ وإن النظرة لم تزل محدودة وقاصرة وغير واضحة وستبقى كذلك لدى الكثيرين إلى أن يشاء الله غير ذلك. وهذا تضاد مفهوم عندنا، ولا ينطبق عليه قول أبي العلاء: "تناقضٌ ما لنا إلاّ السكوت له" ولذلك نقول: إنَّه إذا رُسمت صورة ما عن شيء ما في "التّأريخ" فإنّ "الجغرافيا" لا تستطيع تغيير تلك الصورة بيسر ولو جهدت. فعلى الرّغم من كون الهندسة المساحية علمًا في كلّ علم وتقنية في كلّ تقنية، وكون عينٌ منها على الأرض وعين في السّماء -كما سبق وإن أشرت في موقعي- فإنَّها تعاني من تصوّر النَّاس لها بأنَّها الشريط الذي يسحب على الأرصفة، أو ميزان التسوية الذي يقف وراءه عامل في هيئة رثّة، معتمرًا كوفية صفراء فاقع لونها لا تسر النّاظرين. هذا هو التَّصور الذي يحمله المثقّف من النَّاس وقد يأتيك غيره بأسوأ منه. فكيف يستطيع قسم صغير في زاوية من الأرض أن يغيّر هذه الصورة الممتدّة من الولايات المتّحدة الأمريكية إليها مرورًا بكلّ أقطار الأرض دون استثناء.
ألم تر أنّ كثيرًا من الأقسام المساحية في العالم عمدت إلى تغيير اسمها من مساحة إلى جيوماتك أو جيوماتكس (Geomatics) هروبًا من هذا التَّصور المنقوص. وإذا كان هذا التغيير ممكنًا في عالم لغته الإنجليزية أو ما ماثلها من لغات أوروبية، فإن نقله أو ترجمته إلى العربية أو استحداث مثله فيها يظلّ أمرًا صعبًا. فنحن إن نقلناه كما هو أصبح غير مفهوم للنَّاس، وربما وجدتنا نعود للقديم ولسان حلنا يقول: "حنانيك بعض الشّر أهون من بعض"؛ وإن ترجمناه صعبت ترجمته فهو مركّب من ثلاث تقنيات أو أكثر؛ وإن حاولنا أن نأتي بغيره كنَّا كمن يحاول أن يترجمه.
وقد كان يمكن لتخصص المساحة أن يأخذ صورة جيدة في أذهان النَّاس فهو جدير بها لأسباب منها كونه معروفًا من زمن بعيد بهذا الاسم ، وللعرب فيه، كما لغيرهم، إبداعات جميلة رائعة، وذا صلةٍ وثيقة بكل التّخصصات المعروفة في عالم اليوم؛ ولكن ما ندري كيف رُكّبت هذه الصّورة المشوّهة في عقول المثقفين من النَّاس وكيف نُقلت إلى العامة منهم، فكان ما كان من معاناة، والله المستعان.
أمَّا هل أسهم "القسم" في تحسين الصورة فلا ريب في ذلك، والدّليل ما نراه من نشاطات لخريجيه في كثيرٍ من القطاعات، وما نلمسه من سعي كثير من أصحاب التخصصات الأخرى للاستفادة من علومه وتقنياته ومعلوماته لأسباب وضَّحت بعضها في موقعي بشيء من التفصيل. ورغم كلّ هذا، فسيظل المفهوم قاصرًا كما هو، لقلّة المتأثرين وإن كثروا، قياسًا بالكثرة الغالبة ذات التصورات القديمة الرّاسخة في عقولهم رسوخ الجبال.
شكرًا لسؤالك المهم، ولك وللقراء تحياتي
ظافر بن علي القرني
السبت 14/12/1426هـ[/align]
[movek=right]سِم سمةً في الأرض تُحمد بها واحمد لمن أهدى ولو سمسمةْ[/movek]
الفرق بين الدراسات العليا هنا وهناك
[align=justify]الأخت الفاضلة هنادي
بعد السلام عليكم ورحمة الله، أقول في الإجابة على سؤالك الأول:
ليس هناك مقارنة لا من بعيد ولا من قريب بين الدراسات العليا في جامعات بلداننا العربية المتميّزة والجامعات المتميزة في البلدان المتقدّمة تقنيًّا. والسبب ليس قصور في عقول الطلاب ولا معلميهم، وإنّما القصور في البيئة التعليمية عامة. ففي الدول المتقدمة تقنيًّا يعيش الطالب فيها حياةً علميةً من كلّ جوانبها، إذ هو بين أناسٍ همهم العلم، أناس تترقب النظريات الجديدة في حقولها كما يترقب الناس عندنا سوق الأسهم في شاشات البنوك والتلفزيونات. إذا نزل كتاب قيم في السوق في تخصص ما تناقل أصحابه أخباره وسعوا إلى اقتنائه، وإذا تطورت تقنية ما، علم عنها الجميع. ومؤتمراتهم حيّة وهي سوق النظريات المزدهر. وبلدانهم يُعرف فيها المتميزون في تخصصاتهم من غيرهم؛ لكن في البلدان المتأخرة تقنيًّا ربما كانت الغلبة والصوت للخافت علميًّا، كون الأمة، في الغالب، ليست بأمة علم تقني يعينها على تمييز الجيد من الرديء.
وكتابة البحث العلمي الرَّصين، لا تأتي إلاّ من قراءة البحوث العلمية الرَّصينة ومتابعتها بشكل مستمر في مجلاّتها المتخصصة أول بأول. وهذه المزية شبه مفقودة في بيئتنا التعليمية لأسباب كثيرة، منها عدم الحرص على اقتناء المجلات المتخصصة، وندرتها في مكتباتنا العلمية، وتأخرها إن وصلت .... . لذا لو قال لي أحدٌ: إنّ الطالب في الدول المتقدّمة تقنيًّا يستفيد بشكل كبير، مقارنةً بالطالب في عالمنا، فيما يخص جوانب كتابة البحث العلمي والإلمام الجيد بأدواته وأساليبه، وفي غير ذلك من الأمور، لقلت له صدقت.
وهذا لا يعني عدم وجود الطالب الجيد المكافح المنافح الذي يتغلّب على ظروف بيئته التعليمية من حوله، فيحلق في فضاء الإنترنت، ويتواصل مع دور النشر ومظان البحوث العلمية، فيحصل منها على ما يريد، ويقرأها بحرص؛ فيعيش علميًّا هناك وهو عمليًّا هنا. هذا موجود، وموجود كذلك المرشد الذي يعين على ذلك، إنّما نحن نتكلّم عن الغالب أو السائد، ولا نأتي للاستثناء.
أما في إجابة الجزء الثاني من سؤالك، فلا استطيع أن أسمي جامعات مختارة في الجغرافيا، ولعل الأخوة الجغرافيين أن يعينونا في هذا الجانب. ولكن ها هنا بعض لأمور التي قد تفيدك ولو قليلاً:
• من المعلوم أن نشاط التخصص يكون من نشاط المعلمين فيه، وليس على أساس الدولة، كما تفضلت، ولا على أساس الجامعة أيضًا. فالجامعة المشهورة ليست قوية في كلّ علم، وإنّما تجدينها جيدة في علم ما بمن فيه من المتخصصين المرموقين. وهم بعلمهم وسمعتهم يرفعون اسم الجامعة، وإن كان فيها المتردية والنطيحة وما أكثرها.
• حريٌّ بالجامعات المتميّزة في الجغرافيا سابقًا، أن تكون متميّزة فيما يستجد من تخصصات؛ ولا يتوقّع من الجامعات الخاملة أن تنشط فجأة، كون العملية التعليمة متَّسقةٍ متنامية.
• لدى وزارة التعليم العالي في المملكة قائمة مفصّلة بالجامعات الجيدة في الدّول المتقدّمة تقنيًّا؛ يمكنك أن تختاري بعض الجامعات المعروفة في الجغرافيا بناء على سؤال المتخرجين منها أو من غيرها، ثمّ تذهبين إلى موقع الجامعة على الشبكة وتطّلعين على التخصصات الموجودة، وعلى المقررات التي تدرّسها في الدراسات العليا، وسيظهر لك ما إذا كانت الجامعة مهتمّةً بنظم المعلومات الجغرافية أم لا. فإذا كانت الجامعة قوية في الماضي، ولديها إهتمام بنظم المعلومات الجغرافية، فالغالب أنَّها جيدة.
• وهناك معايير أخرى. أفكر أن أكتبها في مقال، أو أرسلها إليك ملخّصةً عبر البريد الإلكتروني.
أمل أن أكون أتيت بما يفيد، وشكرًا لك على سؤالك القيم.
ظافر بن علي القرني
الجمعة 20/12/1426هـ [/align]
المدخل الصحيح لتعلّم نظم المعلومات الجغرافية
[align=justify]شكرًا جزيلاً للأخ المراسل على ثنائه، ويا ليتني بحرٌ في العلم. يقول حفظه الله في سؤال مهمٍّ جدًّا: هل يعتبر قسم اداب جغرافيا المدخل الصحيح لتعلم هذا العلم ضمن هذا الخطة مثلا http://www.iugaza.edu/ara/faculty/d...03&faculty_no=3[/align]
[align=justify]فأقول في مدخل لا بد منه: إنَّه وإن صحَّ أن تصنَّف الجغرافيا على أنّها ضمن كلية الآداب في الماضي لطبيعة ما كان يدرّس فيها، أو لطبيعة الرؤية التي رآها بها علماؤها آنذك، فلا يصحّ اليوم أن نصنَّفها كلها حسب تلك الرؤية التي تجاوزها الزمن. وهذا موضوع شائك لا يعرفه إلاَّ من حاول أن يخوض فيه مع الخائضين.
وإذا ما جئنا إلى سؤالك عن نظم المعلومات الجغرافية، فسأحاول أن أجيب عليه في مرحلتين: أولاهما قبل أن أطّلع على الخطة المرفقة، وثانيهما بعدها.
فقبل أن نرى ما في الخطة، ونستفيد منه، ونقول رأينا فيه، ينبغي أن نوضَّح أن نظم المعلومات الجغرافية علمٌ لا يقبل الاستحواذ عليه من أحد، فلا هو بعلم يستطيع المهندس أن يقول هو لي، ولا الجغرافي ولا غيرهما. إنّ محاولة حصر هذا العلم في قسم ما، دون غيره من الأقسام، يناقض طبيعة التكامل التي يقوم عليها ويضعفها. وإذا ضعفت هذه الطبيعة أو المزيّة، لم يبق هناك نظم معلومات جغرافية، ولا مهتمّ بنظم المعلومات الجغرافية وإن كثر السَّاعين في سبيلها والعاملين بها.
السؤال المهم الآن هو كيف ينبغي لنا أن ندرَّس هذا العلم بما يتنامى وطبيعته الشاهرة الظاهرة ؟ هذا ما سنحاول التّحدّث عنه في كلمات قادمة يعقبها الاطلاع على الخطة بحول الله.
والسلام عليكم
ظافر بن علي القرني
السبت 28/12/1426هـ[/align]
المدخل الصحيح لتعلّم نظم المعلومات الجغرافية (2)
[align=justify]سؤالك يا عبد الحكيم في سياق الموضوع الذي نتحدّث عنه وسنأتي إليه بعد أن نكمل الحديث مع المراسل.
سأحاول أن أسهّل هذه القضية الشّائكة، على ما يبدو، وهي في أصلها سهلة. فأقول إذا ما أردنا أن نُدرِّس علمٍ ما لزمنا أن نعلم على ماذا يقوم، فإذا علمنا ذلك سهُل علينا اختيار المقررات التي ينبغي علينا تدريسها ليتم قيامه ويبقى. وأظن أننا لا نختلف على أن الخريطة هي أهم مقومات نظم المعلومات الجغرافية. ولو قال قائل بل أهم مقوماته هي قاعدة البيانات، لقلنا قاعدة البيانات ما هي إلاَّ خريطة ضخمة في صيغة رقمية مهيئة بطريقة ما. فماذا يلزمنا لنفهم الخريطة ؟
يلزمنا رياضيات، وعلوم هندسة مساحية، وعلوم جغرافيا، وعلوم حاسب آلي، ويمكن التفصيل في كلّ هذه لأنَّ بعض مقرراتها أولى من بعض. ولو جاء أحدٌ وزاد، ما أنكرنا زيادته فالتخصص يقوم على التّكامل كما قلنا.
ويمكن لمن لا تعجبه هذه الوسيلة أن ينظر إلى "المدخلات، وطرق المعالجات، والمخرجات" لما يرد أن يعلّمه، ثمَّ يختار من المقررات ما يُيسِّر للطّلاب فهمها والتّمكّن منها.
ولو توفّرت هذه المقررات في قسم ما، فهذا أيسر وأسهل من تشتتها. وإن تشتّتت، فينبغي تيسير السبل أمام الطّلاب ليأخذوا من كلّ تخصص ما ينمّّي قدراتهم ويزيد في معارفهم ومعلوماتهم.
بعد هذه أيها المراسل الكريم، سننظر في الخطّة التي أرفقتها، وبالله التوفيق.
السلام عليكم.
ظافر بن علي القرني
الأحد 29/12/1426هـ[/align]
المدخل الصحيح لتعلم نظم المعلومات الجغرافيّة (3)
[align=justify]شكرًا للأخت مريم على ما أضافته من معلومات، وسنأتي إلى سؤالها بحول الله في القريب العاجل. وأرجو من الأخ المراسل أن يعذرني في التأخير فما فرغت من الاختبارات إلاَّ أمس مع كثرة الواجبات التي تحاصر المرء في عالم اليوم من كل جانب.
أواصل الإجابة على سؤاله الجيد، فأقول: علم الله أنّني استمتعت بقراءة خطة الدراسة لديكم ورأيتها حيّة متنوّعة تسعى إلى ربط القديم بالحديث، من منطلق إسلامي صحيح يجعلها منفتحةً على كلّ ما يستجد من معارف جغرافية كثيرة. وهي دون ريب خطة مشذّبة مهذّبة مرنة تحاول أن تغطي أكبر قدر ممكن من معارف الجغرافيا الكثيرة المتنوّعة. ودليل مرونتها إحتواؤها على أربعة مقررات اختيارية قد تمكّن الطالب من تعزيز معارفه في تخصص ما بما يختاره من مقررات رافدة حتّى لو كانت من كليّة غير كليّته. لعل هذا أن يكون متاحًا لديكم.
وقد رأيت في الخطة مقررين رياضيات (رياضيات +إحصاء)، ومقرر مساحة، ومقرر في الاستشعار عن بعد، ومقررين في نظم المعلومات الجغرافية، ومقرر في الكمبيوتر (تحليل جغرافي)، ومقرر في علم الخرائط، إلى جانب غيرها من المقررات العلمية الأخرى.
وليست العبرة بكثرة المقررات في تخصص ما وقلتها في آخر، إنّما العبرة بما يقدّم في المقرر منها. أضرب لذلك مثلاً من مقرر المساحة. لو أن في خطة ما ثلاث مقررات للمساحة، يدرس أولاها المساحة بالجنزير والشريط والبوصلة، وثانيها يدرس المساحة بالثيودوليت، وثالثها يدرس المساحة بالميزانية (Levels) على الترتيب. وهناك خطة أخرى فيها مقرر واحد فقط للمساحة يدرس فيه المساحة بالمحطّة المتكاملة (Total Station) وبنظام تحديد المواقع (GPS)، وبالتصوير الجوي،.... لاخترت الخطة ذات المقرر الواحد على تلك صاحبة الثلاثة وإن ظهرت حافلة بالمساحة على ثلاث مستويات (مساحة -1، مساحة-2، مساحة-3). وسبب الاختيار هو أن الخطّة الأولى ميتة في جوانب وضعيفة في أخرى؛ بينما الخطة الثانية حيّة تمثل جزءًا كبيرًا من الواقع المساحي اليوم.
ويقال مثل ذلك عن نظم المعلومات الجغرافية، وعن الرياضيات، وعن الحاسب، وعن علم الخرائط وغيرها.
فليس من السهل في عالمنا العربي تغيير الخطط الدّراسية، غير أنَّه يمكن تغيير محتوى المقرر ولو من قبل الأستاذ إذا رأى عدم جدوى ما بين يديه من معلومات.
شكرًا لك على سؤالك الذي ينم عن وعي بالحاضر، واستشراف جميل لمستقبل واعد.
ظافر بن علي القرني[/align]
الخميس 3/1/1427هـ
أين التخصص الأجدر بالـ Gis ؟
[align=justify]شكرًا لأبي مالك على تواصله ونحن وما نستطيع لا ندخر وسعًا كما يقال. ونأتي إلى سؤال الأخ عبدالحكيم الذي يشكو فيه من احتكار المعارف أو عدم احتكارها ويقول أن معلمه قال إن الجغرافيين يشاركونكم نظم المعلومات ولا تتميزون عنهم سوى بالجيوديسيا.
الجواب
أبادر فاقول لا يهم كثيرًا اليوم أين يتعلّم المتعلّم أسس نظم المعلومات الجغرافية لأسباب أحاول طرح بعضها في الرَّد على الطالب عبد الحكيم. والسّبب الظاهر على غيره هو أن هذه النظم مقبلة على تكوين نفسها لتكون علمًا مبنيًّا على أسس حاسوبية هندسية جغرافية متينة. ولا ريب أن الكليات بل الأقسام تفترس التخصصات كما تفترس الأمم بعضها عبر القرون والآماد. فلو سلمنا بأنَّ اسم "نظم المعلومات الجغرافية" جاء تبع التّخصص الجغرافي، لجاز لنا أن نقول أن هناك نظم معلومات هندسية، ونظم معلومات جيولوجية، ونظم معلومات طبية وغير ذلك ومنها ما هو موجود فعلاً. ولجاز لنا أن نذهب إلى أكثر من ذلك في الهندسية منها فنقول نظم معلومات ميكانيكية، ونظم معلومات كهربائية .... ونظم معلومات مساحية. وباستحداثنا "نظم المعلومات المساحية، ليكون لكل تخصص نظمه، نكون بذلك أوهنا نظم المعلومات الجغرافية كونها تعتمد عليها إعتمادًا كبيرا.
وعليه يمكننا القول أنَّ نظم المعلومات الجغرافية بمفهومها الشائع اليوم اسم غير موفق، فهو عند كثير من الجغرافيين يمثل تخصصهم وعند غيرهم يمثل شيئًا أكبر من ذلك. ويمكن أن نقول إنَّه اسمٌ على غير مسمى.
ودعوني أقرّب الأمر بشيء من التمثيل. تصوروا أن هناك فئة من العلماء في مكان ما تفكّر في استحداث ما يمكن أن يُسمَّى "نظم المعلومات الزَّمانية"، فنظر أصحاب التأريخ في أنفسهم ، وقالوا نحن أهل الزّمان؛ أما ندرس الأحداث فيه فيظهر للنَّاس أمرها وتسلسلها وأثرها فيهم وفي بيئتهم؟ فيقول قائلهم: بلى. فيقول آخر: دعونا إذن نسمي "نظم المعلومات الزّمانية" "نظم المعلومات التأريخية". ومن يريد الزمان أو لدراساته علاقة بالزمان من قريب أو بعيد، فليأت إلينا نحن معشر التاريخيين فنرفده منه بما شاء. فنحن أهل الزمان وما عدانا تبع لنا بطبيعة الحال. هذه قولهم وهو قول لا يخلو من شطط عظيم، إذ أنَّه يبتسر المعارف، ويسير بها عكس توجهها الصحيح.
يبدو، والله وأعلم، أن هذا هو ما حدث في "نظم المعلومات الجغرافية"، فبدلاً من أن يكون هناك، مثلاً، "نظم معلومات مكانية"، يتصل بها من يتصل كلٌّ بحسب علومه ومعارفه وأدواته وروافده، نظر من نظر من جغرافيي العالم المتقدّم تقنيًّا (ولا نتحدَّث عن جغرافيينا فهم ونحن تبع لغيرنا)، فقالوا نحن أولى بالمكان وغيرنا تبع لنا، فلنسمه "نظم المعلومات الجغرافية". وعليه فمن يريد المعلومات المتصلة بالمكان، فليأت إلينا نحن الجغرافيين وسيجدنا جنودًا مجندة في خدمته، ولله العزّة من قبل ومن بعد. ولكن سرعان ما وجد جلّ الجغرافيين نظامهم عائمًا لا هو إلى السماء ولا إلى الأرض، فعلموا أهميّة الرياضيات، فعزّزوا معارفهم فيها، وأهميّة علوم المساحة فشرعوا في استرفادها والحرص على تعلّمها. وهذا هو التّوجه الصحيح. ولهذا قلت في إجابة سابقة أنّه لا يصح إلحاق الجغرافيا كلّها بما يسمى كلية الآداب.
إذن لو أن نظم المعلومات الجغرافية جاءت جغرافية فقط لما ركزت جلّ دعائمها المهمة في رحاب غيرها، ولكانت على غرار نظم المعلومات الطبية، ونظم المعلومات الإدارية، تقوم بذاتها وتسترفد غيرها. وأظن أن السبب وراء اختلاط المفاهيم هو في فهم كلمة جغرافيا نفسها فهي لا تنتمي في أصلها إلى أي لغة من اللّغات الحية اليوم. ....
ولو أن الأمر بيدي لدعوت إلى تكوين:
نظم المعلومات الزمانية (Temporal Information Systems, TIS) &
نظم المعلومات المكانية (Spatial Information Systems, SIS)
ولجعلت أصحاب الزمان يتجادلون في زمانهم، وأصحاب المكان يتجادلون في مكانهم. ومن يريد أن يجادل في الزمان والمكان في آن كان له ذلك ويمكن أن يسمّى بهما معًا. أما وقد صارت الأمور كما هي عليه اليوم فلا ضير في ذلك إذ العبرة بالإنجاز لا بالأسماء وإن كانت مهمة.
هذه مقدمة قصيرة لسؤال الطالب عبدالحكيم. أما قوله أن الأستاذ قال إن الجغرافيا تشاركنا أو نشاركها في نظم المعلومات الجغرافية، وإنَّنا في المساحة لا نتميّز عنهم سوى بالجيوديسيا، فقول أوله صحيح وآخره فيه شيء من التعميم. فلا ضير أن نشترك مع غيرنا أو يشترك غيرنا معنا في علم ما. ولا مناص من ذلك. أمّا أننا لا نختلف عن غيرنا سوى بالجيوديسيا فقوله هو من باب إطلاق الخاص على العام. فالجيوديسيا هي عمود خيمة المساحة، ولكن هناك المساحة الأرضية ولها فروع وتقنيات، وهناك المساحة الجوية التصويرية ولها فروع وتقنيات وكذلك للجيوديسيا فروع وتقنيات كثيرة. وربما قصد الدكتور أن يهون من العنفوان الذي يشعر به طالب المساحة مثله مثل طالب الجغرافيا ليعلما عن بعضهما ويتعاونا فيما يفيد في المستقبل. وفي موقعي شرح ميسّر عن المعارف المساحية الكثيرة، مع بيان الخلل الذي أصاب معرافنا في مقتل جراء تصور الناس المنقوص لها منذ زمن بعيد.
ظافر بن علي القرني
الجمعة 4/1/1427هـ [/align]
قراءة الصورة الجوية أو الفضائية مرة أخرى
[align=justify]تريد الأخت مريم الحربي أن تعرف كيف يدل اللون الأحمر في الصورة على اللون الأخضر في الطبيعة؟
[/align]
[align=justify]سؤال جيد، نقول في الإجابة عليه:
ما يشعل التقنيات غير الحروب. والحروب نوعان: نوع بالكلمات، والآخر بالمدافع والطائرات؛ والثّاني أعتى وأمر.
في الحرب العالمية الثانية وظّف التصوير من الطائرات بشكل كثيف للسيطرة على ميدان المعركة العريض. ولاحظت إحدى الدول المتقدّمة تقنيَّا أنَّها تصاب بأذى من دولة تقنيّة أخرى رغم غلبة طيران تلك الدولة على مجريات المعركة. فالطائرات لا تتبيّن أهدافها، وتقصف أماكن العدو حسب ما يبدو لها، فتفاجأ بنشاطه مرةً أخرى. فطن علماء هذه الدولة إلى أنَّه قد يكون هناك حيلاً متّبعة من الخصم في الأرض للتمويه عليها وعلى طيرانها في الجو. وقد تكون أقرب تلك الحيل أن المدافع وجنود المدافع تُغطّى بأغصان الشجر، فتصبح كالغابة في أعين الخصم، فلا يستهدفها من الفضاء. من هنا بدأت التجارب السريعة على تطوير فلم تصوير لا يقتصر على الألوان المعتادة (الأزرق، والأخضر، والأحمر)؛ بل يتجاوزها إلى ما يمكن أن يميّز حال الشجر المقطوع من حال الشجر الحيّ فتعرف الغابة الحقيقة من الغابة الوهمية.
الجدير بالذكر أن الطيف الأزرق ذو موجات ضوئية طولها من 0.4 إلى 0.5 ميكرون، والأخضر من 0.5 إلى 0.6 ميكرون، والأحمر من 0.6 إلى 0.7 ميكرون تقريبًا.
وُجد بالتّجربة، والمعركة على أشدّها، أنّ الشجر الحي (العامر بمادة اليخضور) يعكس طاقة كبيرة متميّزة في ما بعد الأحمر (0.7 ميكرون إلى ما بعده بقليل). فقاموا بصناعة هذا الفلم الجديد الذي يظهر فيه الشجر الحي أحمرًا بطبيعة الموجات التي يعكسها فيتميَّز بذلك عن الشجر الميت التي قلَّت فيه هذه المادة فلا يعكس طاقة بيّنة في المدى من الطيف.
استخدمت هذه الأفلام الجديدة التي سموّها خادعة أو غير كاذبة (False color)، فانقلب السحر على الساحر، حثث تبيّنت الغابات الحقيقية من سواها في ميدان المعركة. وتمَّت الغلبة لمن وظَّف العلم، وأعطى العلماء حقَّهم في حرية البحث والاستنتاج.
من هنا دخل في التقنية أفلام ملونة جديدة مصنوعة لتتحسّس اللون الأخضر والأحمر وما بعد الأحمر، لتمييزها عن الأفلام المعتادة (Normal color films) التي قوامها الأزرق والأخضر والأحمر كما قلنا من قبل. وأقول هنا ما بعد الأحمر هروبًا من مصطلح ما "تحت الحمراء" لأنّها عندي فوقها وليست تحتها كما هو واضح من تزايد طول الموجات الضوئية:
Blue (أزرق), Green (أخضر), Red (أحمر) , Infrared (ما بعد الأحمر).
وقد أبحرت تقنيات الاستشعار عن بعد في هذه الأطياف وما بعدها بعد ذلك إلى يومنا هذا كما هو مشاهد ملموس.
عسى أن تكون الفكرة واضحة، وإذا لم تكن، فيمكنني صياغتها بأسلوب آخر.
ظافر بن علي القرني
الخميس 10/1/1427هـ [/align]
سؤال الأستاذ بشير عن قريته وتحركات رمالها
[align=justify]يسأل الأستاذ بشير عن سبب زحف الرّمال على قرية يعرفها في حائل بعد أن غادرها أهلها... ويريد أن يخضع المكان لدراسة علمية. [/align]
[align=justify]الجواب:
نحييك ونشكر لك نشاطك المشاهد في هذا النّادي الجميل.
أمور كهذه تدخلها تخصصات بقدر عناصر الطبيعة المؤثرة فيها. فأهل الرّمال لهم حضورهم، وكذلك أهل الرياح، وأهل الماء، وأهل الزراعة، وأهل الجيولوجيا، وأهل الأثار، وأهل التأريخ، وأهل علوم الاجتماع، وأهل علم ....إلى آخر القائمة التي لا تكاد تنتهي. وكلّ علم من هذه العلوم يرى ذووه أن بعضهم أولى من بعض في النظر في ما يجري على الأرض من تغيرات. ولو سألت صاحب كلّ تخصص لأفاد بشيء من جانبه مفيد مع غيره. ولكن كيف للمرء أن يجد كلّ هؤلاء ويسألهم. فلا باس إذن من أن يُطرح السؤال هذا في نادٍ عام، ويدلي كلٌّ بدلوه حسب مايراه.
وقد لا أرى غير تفسيرين لما حدث لقريتكم الحالمة جوار ذلك الجبل الغربي.
الأول: إن الإنسان إذا حلَّ في مكان أحياه وعمره. ومن إحيائه دفع العوامل الطبيعية الأخرى المؤثرة عنه، سواء بشكل جماعي أو فردي ... وللإنسان قوة جبارة وإن كان من أضعف مخلوقات الله. فالظاهر أنَّه عندما كانت القرية عامرة بِأههلها لم تعمر بالرّمال، وعندما غادروها، عمرت بها. ويصح هذا الرأي إذا كانت الرّمال تراكمت على جزء القرية المهجور تدريجيًّا عبر السنين التي شهدتها. أمَّا إن كانت جاءت فجأة فنأتي إلى التفسير الثّاني.
الثَّاني: تغيرات مناخية تجعلنا نأخذ رأي أصحابها بحسب التّخصصات السابق ذكرها. فقد يكون طرأ تَغيّر في هبوب الرّياح، أو حدث نشاط عمراني أثّر في مسارها، أو طرأ جفاف ساعد على تحرّك الرّمال، أو غير ذلك من العوامل.
وقد يكون تضافر السبابان، فكان ما كان.
أما تفسيرك لما حصل، فهذا تفسير سياحي لو أخذنا به لرأيت كلّ سائح يتصوّر أنَّه يجر وارءه ظاهرة من ظواهر الأرض؛ وإن كان قال الرسول الكريم: "هذا أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه"، وحنَّ له، صلى الله عليه وسلَّم، عود منبره.
ولقد رأيت في قريتي مشاهد عجيبة سجلت بعضها في قصيدة عنوانها: امتداد الزمان وانقباض المكان: البيت القديم مثالاً. وهي في ديوان الإنسان ذلك الشيء. وقد أعود فأسرد بعض ما شاهدته فيها وسببه نثرًا، إن وجدنا في الوقت سعة.
ولا بد لنا من عودة نتحدّث فيها عن إمكانية دراسة ما رأيته بوسائل أرضية أو فضائية.
شكرًا لك على سؤالك وطابت أيامك ولياليك.
ظافر بن علي القرني [/align]الجمعة 11/1/1427هـ
سؤالٌ من حمود العنزي فتح لنا أفقًا جديدًا
[align=justify]حيا الله الأستاذ الفاضل حمود العنزي، وبارك في جهوده الجميلة.
لم يكن في ذهني سؤال معيّن لم أسأله، فمجال الأسئلة واسع رحب ويمكن أن يأتي السؤال من أيّ جهة في أي وقت. ولكن يمكن أن أقول أن هناك أسئلة أود لو سئلت عنها، مثل اسؤالين التّاليين:
الأوّل: هل نحن في التَّقنيّة؟ وإذا لم نكن فيها، فما العائق الأعظم بيننا وبينها؟ وكم هي المسافة الزّمنيّة الفاصلة بيننا؟ والثّاني: ما أعظم فوائد الإنترنت في عالم اليوم؟
وأقول في إجابة السؤال الأول نحن لسنا في التَّقنيّة ولا حولها، وإنَّما نراها من بعيد فلا تبين معالمها لنا، ولكنَّها شيءٌ يتحرّك بسرعةٍ مذهلة، فلعلَّه أن يغرينا بالحركة في يوم ما .
وأعظم عائق بيننا وبين التَّقنية هي التَّقنية نفسها. فهي لم تنبع من بيئتنا لحلول مشاكل نعاني منها، وإنّما نبعت من بيئة غيرنا لتعالج مشاكل لديها، فرغبنا فيها، فزاد العنت والإرهاق. ولذلك فالتَّقنيّة تسير بسرعة هائلة بينما حركتنا في بيئتنا حركة بطيئة تكاد تكون ساكنة. وأكبر دليل على ما نقول كارثة باخرة السّلام المصرية في بحرنا بين دولنا التي تزخر، حسب ما نسمع بتقنيات عظيمة أصمت مسامعنا، وبهرت عيوننا، وأشغلتنا بأوهام عظيمة ما عدنا نرغب الفكاك منها لجمالها السّاحر.
ها هي أمّة كبيرة من النَّاس تغرق بين شاطئين لا يبعدان عن بعضهما كثيرًا، فلا يُعلم عنهم أحد، ولا يفزع أحدٌ من سكان الشّاطئين لنجدتهم. ولو أنَّهم صارعوا الموت في البحر لعدد من الساعات لعذرنا من يرعد ويبرق بالتَّقنيات الحديثة، ولكن من بقي حيًّا منهم عاش ليلين أسودين في بحر أسود في موج عاتٍ في هلع وخوف وعذاب شديد. فأين هي التَّقنية؟ ألم أقل إنَّها صنعت لغيرنا لحلول مشاكل واكبت نهضتهم وتطوّرهم. إنّني على يقين أنّه لو لم تحلّ هذه الكارثة بهذه الباخرة، وسئل أحدٌ من طاقمها: هل أنتم مستخدمون للتَّقنيّة الحديثة في الإبحار؟ لما توانى في الرّد بنعم، وربما قال بل نحن نستخدم أفضل التقنيات التي لا توجد عند الدول المتقدّمة. يا لله العجب! ما أجرأنا على هدر حقوق بعضنا في أيّ شيء ولأيّ شيء.
ولك أيّها القارئ أن تقيس على هذه الكارثة غيرها ممّا لا تظهر آثاره للعين في زمن قصير كزمن الباخرة. وربما أتيحت لنا فرصة في الحياة فنقول عنها شيئًا في مكان آخر.
لقد ركبت مع أصحاب "التّكاسي" في أمريكا كثيرًا، فوجدت الشَّركة المشغّلة لهذه الوسيلة على تواصل مستمر مع السّائق بالوسائل المتاحة آنذاك؛ تسأله أين وصل، وكم بقي له من الوقت لكي يصل. وها هي عندنا مدينة كاملة تغرق في البحر، في اللّيل، في مشهد لا تصفه الكلمات. إذن، لا ريب أن التَّقنيّة التي لا نعرفها ولا نستخدمها حقّ استخدامها أصبحت عائقًا كبيرًا بيننا وبين التّقنيّة، ولله في خلقه شؤون.
أمَّا المسافة الزّمنيّة بيننا وبين التّقنية الصحيحة فمن الصّعب تقديرها بدقّة؛ ولكن يمكن أن نقرّبها للقارئ فنقول هي من السّنين بقدر ما لدينا من القدرات الأجنبية في مجال التَّقنية. ضع لكل رأس سنة، ثمّ أضرب لتحصل على النَّتيجة. هذه نتيجة المتفآئلين أمثالي، أمَّا نتيجة غيرهم فاضربها في ثابت يروق لك شكله وحجمه، وعليك الحساب.
وفي إجابة السؤال الثاني، نقول فوائد الإنترنت كبيرة وعظيمة منها معرفة العالم الخارجي بالإسلام في وقت تقاعس أبناؤه عن نشره في الأرض. لقد مكّنت هذه التَّقنية أهلها أن يعرفوا بعض حقيقة ما لدينا من صلاح المنهج، مع ضعف الحيلة، فهم أمر مريج. وأسوق مثالاً واحدًا هنا أيضًا لتبيين الأمر. كلنا يعلم أنّ في كلّ عصر ومصر من سخّر نفسه للشّيطان فسخر من رسول الأمّة محمد صلى الله عليه وسلَّم. وما كانت الأمم تسمع بهذه السخرية من قبل إلاَّ في نطاق ضيّق ولو كبر. فلا تجد لها ردّة فعل، وإن وجدت كانت ضعيفة. واليوم شهدنا معرفة العالم لعظمة الإسلام ونبي الإسلام بعد أن سخر من سخر منه، على السّاخرغضب الله. لمن الفضل، بعد الله، في نشر الوعي في الأرض؟ أليس لهذه الشّبكة التَّقنية العظيمة. أقول: على الرّغم من كثرة الفساد الّذي تنشره، فإنّي على يقين أن الحقّ سيمحقه من خلالها بحول الله، ولو طال الزّمن.
ومن فوائد الإنترنت أنَّها تتجاوز بصاحب الفكر حواجز المكر البشري الذي يمارسه بعض المرضى فكريًّا، فتقفز به إلى المدير من فوق رأس السكرتير، وإلى صاحب القرار من على رؤوس المستشارين. وهذه حسنة عظيمة ستختصر الطَّريق نحو نحو التَّطوّر والإصلاح، بحول الله. ولها حسنات غير ذلك، لكن فيما قيل الكفاية.
شكرًل لك يا حمود وللقارئ أينما كان.
ظافر بن علي القرني[/align]
الأحد 27/1/1427هـ