الخرائط الرقمية .. أرض المعركة في غرفة العمليات

[align=center]الخرائط الرقمية .. أرض المعركة في غرفة العمليات [/align]
شهد العالم خلال العقدين الماضيين ثورة علمية عارمة، تمثلت في اتجاهين أساسيين أولهما الكم الهائل من البيانات والمعلومات وخاصة الجغرافية منها، التي توافرت من المصادر المتنوعة، مثل بيانات الإحصاءات والتعدادات، والقياسات البيئية، والخرائط المتنوعة ولوحات الاستشعار عن بُعد، والصور الجوية ، فضلاً عن القياس الميداني وتعدد أساليبه وتوافر إمكانياته.
والاتجاه الثاني تمثل في الثورة التكنولوجية وتطور أجهزة الحاسب الآلي، وتشعب استخداماتها والعمل عليها. وقد توافرت أجيال وأنواع مختلفة منها بدءا من الأجهزة العملاقة وحتى الوحدات الشخصية الصغيرة.
وفي خطوة لاحقة أتاحت برامج الحاسوب الحديثة إمكانية ربط البيانات والمعلومات بمواقعها الجغرافية عن طريق الإحداثيات، وهو الأسلوب الذي تقوم عليه نظم المعلومات الجغرافية، كما أتاحت إمكانيات القياس والتحليل والتفسير من الصور الجوية واللوحات المرسلة من الأقمار الصناعية، واستخراج البيانات والمعلومات وإنشاء الخرائط منها.
نظم المعلومات الجغرافية
نظم المعلومات الجغرافية عبارة عن مجموعة متكاملة من العناصر التي تتكون من أجهزة حاسب آلي وملحقاتها وبرامج متخصصة وكم كبير من البيانات والمعلومات الجغرافية وشخص أو أشخاص ذوي كفاءة عالية «مستشارين مبرمجين، محللي نظم ومشغلي أجهزة» يمكنهم استخدام التقنيات الحديثة، حيث يمكن جمع البيانات وتخزينها بعد تصنيفها واستعادتها والتعامل معها وتحديثها وربطها بالخرائط وإنتاج تقارير وخرائط حديثة منها.
ويتم ذلك بسرعة كبيرة جدا وفي وقت قصير وبكفاءة ودقة عالية مما يوفر الجهد الذي كان يُبذل من قبل حيث وفر النفقات والوقت.
وهناك خاصية لا تتوافر لأي من الأساليب العادية التقليدية وهي إمكانية تحديث البيانات والخرائط بشكل مستمر بحيث تكون لدينا قاعدة حديثة يمكن من خلالها التعامل مع أحدث البيانات والرجوع إليها.
ومع ذلك فإن نظم المعلومات الجغرافية ليست آلية لرسم الخرائط بمقاييس وألوان مختلفة ولكنها في الأصل أداة تحليل تسمح بتحقيق العلاقات المكانية بين ملامح الخريطة، وهي لا تحفظ الخرائط بشكل تقليدي، ولا تحتفظ بصورة أو منظر معين لمنطقة جغرافية، وإنما تحتفظ بالبيانات التي تولد منها المنظور المرغوب ليقابل غرضاً معيناً.
وترتبط البيانات المكانية، ذات المعلومات الجغرافية عن ظاهرة معينة بالخرائط ثم تحفظ هذه المعلومات كخصائص إلى ملامح عن الظاهرة الممثلة بالشكل. فمثلا شبكات الطرق ترسم كخطوط لا يعطي شكلها المرئي بالطبع كل ما يتعلق بها من بيانات، ولكن يمكن الحصول على هذه البيانات بالاستعلام عنها من قاعدة البيانات، ثم توضح هذه البيانات بالشكل الخرائطي الملائم على الخريطة. ويحتفظ بها في شكل جديد وملف جديد يستخدم فيما بعد عند حساب معلومات جديدة مثل طول ونوع طريق معين أو المساحة الكلية لنوع معين من التربة.
وتعتبر نظم المعلومات الجغرافية طريقة لحفظ قواعد بيانات الأرض، وقواعد البيانات المربوطة بالمكان هي العمود الفقري الذي تبنى عليه نظم المعلومات الجغرافية، وهذا هو الاختلاف الجوهري والفارق الأساسي بينها وبين أنظمة رسم الخرائط بالحاسب، وهي الأسلوب الأمثل لحفظ عالم من البيانات وتحديثها باستمرار.
مميزات نظم المعلومات الجغرافية
تعتبر هذه النظم من التقنيات التي يمكن عن طريقها الحصول على المعلومات والتحليلات والنماذج، والرسوم البيانية والخرائط وغير ذلك بطريقة متقنة وسريعة جدا، كما تساعد في زيادة قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات، وتحديث البيانات بطريقة سريعة وسهلة. وتؤمن القيام بعمليات تحليلية ورياضية لا تحصى.
ويمكن عن طريقها تحديد الموارد بطريقة فعالة، وتقوم برصد ومراقبة ومتابعة عمليات التحول والتطوير والتغير التي تطرأ، إضافة إلى إمكانية إنتاج تقارير ومعلومات مفصلة ومدعمة بالأشكال الخرائطية والبيانية التي ربما تغني بمجرد النظر إليها عن قراءة تقرير طويل.
الخرائط الرقمية
انعكس التقدم السريع في تطبيقات تكنولوجيا الحواسب الألكترونية على طبيعة تجميع وتوزيع البيانات، وسرعة استخدامها في صنع القرار العسكري، وكذلك أدى تطوير «المستشعرات» ووصلات نقل المعلومات إلى إمكانية جمع المعلومات عن نشاط العدو في أقل وقت لملاحقة متطلبات نظم التسليح من معلومات دقيقة وذات طبيعة سريعة التغيير وذلك للمساعدة في سرعة اتخاذ القرار السليم.
وبطبيعة الحال فإن أحد فروع هذه المعلومات هو طبيعة التربة وطبوغرافية الأرض ومسرح العمليات المنتظرة وذلك باستخراج البيانات من «الخرائط الرقمية» التي تقدم صورة شبه واقعية بالأبعاد الثلاثة عن أرض المعركة، ما يمكن المخططين العسكريين من الانتقال نظريا الى ساحة القتال وهم لا يزالون في غرفة العمليات.
وأُطلق على هذه التكنولوجيا المتنامية اسم «نظم المعلومات الجغرافية» وتطورت التطبيقات والاستخدامات موازية للتطور التكنولوجي في إنتاج الخرائط الرقمية التي تستخدم في العديد من المجالات العسكرية والمدنية.
وبرامج نظم المعلومات الجغرافية تؤمن الإجابة عن أسئلة رئيسية أهمها: ماذا يوجد في مكان معين، وما التغييرات التي شهدها مع مرور الوقت، وما الأنماط المكانية الموجودة فيه؟
وهذه البرامج تتعامل مع نوعين رئيسيين من البيانات، أولها: خرائط طبوغرافية على شكل نقطة أو خط أو مساحة ، والنوع الثاني: بيانات خاصة بمواصفات الموقع.
ولما كانت نظم المعلومات الجغرافية تعتمد على قواعد البيانات كان من السهل الربط بين البيانات الطبوغرافية للمواقع وبيانات المواصفات الخاصة بها. وازداد الاعتماد في السنوات الأخيرة على نظم المعلومات الجغرافية وتم استخدامها في العديد من التطبيقات في جهات متعددة سواء بصورة منفردة أو عن طريق إحداث تكامل بين هذه النظم ومجموعة الحزم والنظم الأخرى الموجودة على الحواسب الألكترونية.
وتستخدم نظم المعلومات الجغرافية في عمليات كثيرة على الخرائط منها:
- مطابقة خريطتين للحصول على خريطة جديدة.
- استخراج خريطة جديدة يُعتبر جزءاً من خريطة معقدة.
- تحويل البيانات الرقمية إلى خريطة والعكس.
- تغيير مقياس رسم الخريطة.
- دوران الخريطة حول محور معين.
- ربط الخريطة بالأرض.
إعداد الخرائط الرقمية
يتم إعداد الخرائط الرقمية وفقا للخطوات الآتية:
أ - رسم خريطة جغرافية للأرض بالاستعانة بالصور من الأقمار الصناعية أو طائرات الاستطلاع.
ب - الترميز العددي لتضاريس الخريطة.
ج - رسم الخريطة على شكل نقاط وخطوط بواسطة الحاسب.
د - معالجة الخريطة بواسطة الحاسب لتظهر على شكل صورة حية تماثل الواقع بدرجة كبيرة.
الاستخدامات العسكرية
ونظرا للإمكانيات الكبيرة لنظم الخرائط الرقمية العسكرية من حيث الدقة وسرعة الحصول على بيانات ثلاثية الأبعاد، مع إمكانية الحصول على مناظر مجسمة من المساقط الثنائية الأبعاد، أمكن الآتي:
1- تحديد مسار معين أو الاستخدام مع أنظمة المحاكاة المختلفة الأغراض.
2- حساب العديد من خطوط الرؤية للمناطق المطلوب استطلاعها لتحديد الأرض الميتة (غير المرئية)، وذلك لكل نقطة في قاعدة البيانات للخرائط الرقمية ودراستها مما يساعد على الحصول على معلومات أكثر دقة، وبالتالي يزيد من القدرة على التخطيط الجيد، وتحديد أنسب الأماكن لمواقع الإدارات.
3- تحديد نقاط واتجاهات إسقاط المظليين.
4- تحديد مسار طائرات الاستطلاع، وتحديد خطوط رؤية مباشرة بين الهدف ومركز السيطرة لضمان تحقيق استطلاع جيد لأن حجب الرؤية يؤدي الى معلومات غير دقيقة وكذلك تحقيق مسار عودة أكثر أمناً لإمكانية تجنب الرادارات مما يعطيها الفرصة لنجاح مهمتها.
5- تقليل الوقت والأخطاء الناتجة عن استخدام قراءة الخرائط يدويا وربط هذه المعلومات بأنظمة أخرى للتخطيط والتدريب.
6- سهولة اختيار الطرق المناسبة لتحرك القوات وتحديد شكل الأرض ونوع التربة.
7- استخدام الخرائط الرقمية لعمل نماذج ثلاثية الأبعاد للأرض وإظهارها من جهات مختلفة للتغلب على الصعوبات التي تقابل قارىء الخريطة. وتستخدم هذه الإمكانية عن طريق أجهزة المحاكاة في الجزء الخاص بنموذج تمثيل الأرض لتعطي صورة حقيقية عن طبيعة الأرض للطيار أثناء التدريب والمناورات.
وعلى سبيل المثال فإنه يمكن من خلال التطبيقات الجوية التخطيط لطلعة جوية على ارتفاع منخفض، حيث يمكن للطيار مشاهدة صورة شبه واقعية لطريق الاقتراب ثلاثية الإحداثيات مع إمكانية إظهار المستشعرات المختلفة والأسلحة التي قد تواجهه كما يمكنه كذلك إظهار ما يمكن رؤيته من نقطة محددة وما تخفيه طبيعة الأرض.
تجنب الرادارات
وأدت التكنولوجيا الحديثة للاستشعار عن بعد والمعالجة الألكترونية للبيانات، الى تغيير جذري في علم وفن رسم الخرائط، وقد شارك في إحداث هذا التغير الأقمار الصناعية والحواسب الألكترونية التي جعلت الخرائط الجديدة أكثر قدرة على فهم طبوغرافيا العالم، فالخرائط غايتها تبسيط العالم الى مقاييس تسمح للإنسان بفهمه.
والاستشعار عن بعد بواسطة الرادار المحمول جواً أو الأقمار الصناعية، ومن خلال أجهزة يطلق عليها «الماسحات متعددة الأطياف»، يوفر وسيلة جديدة لجمع كميات هائلة من المعلومات بشكل سريع ومتكرر لأجل بناء ومراجعة الخرائط، وهو يكمل، وإلى حد ما، يعوض التصوير الجوي والعمل الشاق الذي يقوم به المساحون على أقدامهم، وهذا الأخير قد يحقق قدراً كبيراً من الدقة في الطبوغرافيا، ولكنه لا يوفر التغطية الشاملة في وقت قصير كما هو الحال في الاستشعار عن بعد.
وبينما تستخدم المعلومات لطباعة خرائط مماثلة بدرجة أكثر أو أقل للخرائط التقليدية فإن الميزة الكبرى لهذا النظام تكمن في أنه يستطيع تخزين المعلومات في صورة رقمية يمكن تحويلها بسرعة لتتناول ملامح جغرافية جديدة ويمكن استعمالها فورا لإنتاج خرائط مراجعة بصورة كاملة، أو لإنتاج خريطة تعرض ملامح معينة في منطقة ما.
وقد أتاحت هذه التقنيات رؤية جديدة للعالم ولموارده الطبيعية بكل ما يترتب على ذلك بيئياً واقتصادياً وسياسياً. والتقنية الجديدة قادرة على المساعدة في البحث عن مصادر جديدة للمعادن والنفط ووضع سجل للمحاصيل وأحوالها، وتحديد عمق الغطاء الثلجي كوسيلة للتنبؤ بالفيضانات.
إن ما يحدث في الماسحات المتعددة الأطياف وفي الرادار، قد يكون تطوراً كبيراً، ولكن الطريقة التي يتناول بها الحاسب الآلي هذه المعلومات تقترب من «التغيير الثوري»، فهي تمثل أكبر من مجرد تزايد تدريجي إذ أنها قفزات واسعة نحو إمكانية لم تكن لتخطر بالبال منذ زمن قصير ، إنها لا تغير طريقة جمع معلومات الخرائط فحسب، ولكن كيفية إنتاج الخرائط بالأسلوب الآلي وتعريف الخرائط أيضا.
والمفتاح هو استخدام «الأرقام»، فمعظم معلومات الخرائط الواردة من القمر الصناعي تأتي في صورة إحدى لغات الحاسب الرقمية كسيل من الأرقام، ولكن يلزم تحويل الخرائط الحالية إلى أرقام، وهي عملية تقارب عملية «فك» الخريطة.
وإلى عهد قريب كانت هذه العملية تتم بطريقة شبه يدوية ، ولتحويل خريطة إلى الصورة الرقمية يقوم الرسام بتحريك مجس إلكتروني يدوي فوق سطح أرض الخريطة لوضع شفرة للخطوط والحدود والتضاريس الأخرى، وفي الطريق إلى استخدام أنظمة رقمية أكثر آلية، حيث توضع الخريطة الورقية أو الصورة المعنية فوق اسطوانة دوارة ويتم مسحها بأجهزة حساسة للضوء تقوم بتحويل المحتوى الكلي الى صورة رقمية وتخزينها في الحاسب.
استخدام الخرائط الرقمية في حرب الخليج
من الظواهر اللافتة للنظر في حرب الخليج الثانية (1991) الدقة البالغة التي أصابت بها طائرات القوات المتحالفة أهدافها، بالرغم من إطلاقها الصواريخ من مسافات بعيدة وكذلك صواريخ السفن الحربية في مياه الخليج وصواريخ الغواصات في البحر الأحمر. وبالرغم من الطيران على ارتفاعات منخفضة تجنبت القاذفات الهيئات الأرضية الطبيعية والصناعية المرتفعة.
ولعل الفضل في ذلك يرجع الى استخدام أحدث تكنولوجيا في مجال نظم المعلومات الجغرافية وهي تكنولوجيا الخرائط الرقمية.
ولذلك كان لابد من استخدام الخرائط الرقمية التي توضح طبيعة الأرض التي سيمر من فوقها الطيارون، لأن ذلك يتيح لهم التحضير المسبق لمهامهم ومسار عملياتهم، وأن يكرروا بسرعة وواقعية مسار هذه العمليات وبذلك استطاع الطيارون إصابة أهدافهم التي لم يسبق لهم رؤيتها من قبل بفضل المعلومات الحديثة التي تعيد عرض مسار الطريق الذي تسلكه الطائرة.
أما الطائرات «B-52» فقد استخدمت الطراز المطور من صواريخ «توما هوك» الذي يُطلق من الجو ، ولاستخدام الصاروخ ضد الأهداف البرية يلزم إجراء دراسة مسبقة دقيقة عن طبيعة الأرض التي سيمر فوقها وتبرمج هذه المعلومات وتغذي نظام التوجيه بالصاروخ الذي يطير على ارتفاعات منخفضة جداً من سطح الأرض ليصيب الهدف بدقة عالية ، وهنا برزت أهمية الخرائط الرقمية التي مكنت الصاروخ من «معرفة» مساره الآمن من منطقة إطلاقه حتى يصل الى هدفه.
--------------------------------------------------------------------------------
جميع الحقوق محفوظة لمجلة حماة الوطن © 2005
http://www.homat-alwatan.gov.kw/prin...ew.aspx?id=235
كل من لاقيت يشكوا همه **** ليت شعري هذه الدنيا لمن