الرئيسية

الكارتوغرافية ونظم المعلومات الجغرافية

كانت الخريطة وما تزال السمة الأساسية التي تميز البحث الجغرافي عن سواه من البحوث ، بل يؤكد الكثيرون أن الخريطة هي سمة أي بحث جغرافي أصيل . ويبدو من الصعب فصل المعرفة الجغرافية عن الخرائط ، والعكس صحيح أيضاً ، حيث لايمكن تصور الخريطة معزولة عن المعرفة الجغرافية . وخلال تاريخ المعرفة الجغرافية التي تمتد آلاف السنين ، يمكن الحديث عن الخرائط ، التي كانت جزءا لا يتجزء من أشكال تدوين المعارف الجغرافية ، بل كانت الجزء الأساسي في بعض المراحل ، لا سيما منها السابقة لمرحلة الكتابة . وكما أن الجغرافية كانت أما للعلوم المكانية التي تبلورت خلال تاريخ المعرفة البشرية ،فإن الكارتوغرافية الجغرافية كانت أما لكارتوغرافية العلوم المكانية – الزمانية الأخرى كالجيولوجية والتاريخ والعلوم الهندسية .

مرت الكارتوغرافية بمراحل تطور مختلفة ، تأثرت فيها بالعلوم الرياضية ، وبالعلوم المكانية ، واختلف علماء الخرائط أنفسهم في تحديد ماهية الخريطة ووظيفتها ، فمنهم من اعتبر الخريطة وعاءً لحفظ المعلومات ( نصب فيها المعلومات المكانية ، ونحفظها ، ثم نستردها عند اللزوم ) ، ومنهم من رأى فيها قناةً لنقل المعلومات المكانية ، ( نضخ فيها المعلومات المكانية ، ونستقبلها في الطرف الآخر ) ، ورآها البعض الآخر لغة رمزية كسائر اللغات التي يستعملها الإنسان ( نصوغها على شكل رموز مختلفة – بمثابة أبجدية - تعبر عن المعلومات المكانية ، ونفك هذه الرموز عند الحاجة إلى المعلومات ) ، ورأى أكثر علماء الخرائط أن الخريطة تجمع بين هذه الصفات كلها وتزيد على ذلك ، حيث يمكن عدها أداة معرفية نستنبط منها كمّاً أكبر من المعلومات بالمقارنة مع المعطيات التي تم تحمليها على الخريطة ، وذلك بسبب إجراء عمليات التحليل المكاني على الخريطة التي تظهر عليها العلاقات المكانية بين المظاهر المرسومة ، وقد أبرزت المدرسة الكارتوغرافية السوفييتية في الخمسينات من القرن العشرين هذا الجانب ، وأظهرت إلى حيز الوجود اتجاها جديدا في الكارتوغرافيا سمي بطريقة البحث الكارتوغرافية ، الذي يؤكد على إمكانية استعمال الخريطة كأداة رئيسة في البحث الجغرافي ، من خلال وضع أنواع مختلفة من الخرائط التحليلية والتركيبية المرتبطة بالظاهرة المدروسة . وقد استندت المدرسة السوفييتية على هذا الاتجاه وطورته فيما بعد ، فظهرت النمذجة الرياضية الكارتوغرافية ، التي دمجت بين الطريقة الكارتوغرافية والطريقة الرياضية في حل المشكلات المكانية ، فالخريطة هي نموذج كارتوغرافي للمكان ومحتوياته، والمعادلة الرياضية نموذج رياضي لحل مسألة ما ، وعند الاستخدام المترابط لهذه النماذج يمكن الوصول إلى حلول أفضل للمسائل ذات الطابع المكاني-الزماني . وقد طرحت هذه الأفكار في المؤتمرات الكارتوغرافية الدولية ،التي تعقد كل عامين ، مع أفكار أخرى تبنتها المدرسة الغربية وأدى تطور المعلوماتية وتطور التقنيات الحاسبية وانتشارها الواسع إلى ظهور نظم المعلومات الجغرافية ، التي لا تخرج من حيث المبدأ عن طريقة البحث الكارتوغرافية ، وطريقة البحث الجغرافي المنظومي ، التي تعد الخريطة عمودها الفقري . من هنا يمكن القول إن علاقة علم الخرائط ( الكارتوغرافية ) بنظم المعلومات الجغرافية هي علاقة الأب بالابن الذي بنى شخصيته الخاصة المتميزة ، وحمل الكثير من مورثات وخصائص الأب.

ولكن هل يمكن اعتبار نظم المعلومات الجغرافية بديلا عن الكارتوغرافية ؟ والإجابة برأينا ، أن العمل بهذه النظم يتطلب معرفة كارتوغرافية ، ويتطلب مادة كارتوغرافية كجزء من المدخلات ، وينتج عنه مادة كارتوغرافية كجزء من المخرجات . ولذلك فإن مستخدم نظم المعلومات الجغرافية لا يستطيع أن يعمل بشكل جيد دون إعداد كارتوغرافي ، أو دون مشاركة كارتوغرافي ، وبهذه الحالة تكون الكارتوغرافية جزءاً أساسياً من العمل بنظم المعلومات ، وهذا الجزء مازال موجوداً بشكل مستقل ، وسيبقى كذلك ، طالما استمرت الحاجة إلى الخريطة كمصدر أساسي للمعلومات المكانية بمعزل عن نظم المعلومات الجغرافية ، وطالما بقيت الخريطة الجزء الأهم من مدخلات هذه النظم .غير أن الكارتوغرافيا المعاصرة أصبحت متصلة عضويا بالمعلوماتية ، ولذلك يمكن عد كارتوغرافيا الحاسب المرحلة المتطورة المعاصرة للكارتوغرافيا ، والتي يمكن تصورها مستقلة عن نظم المعلومات الجغرافية ، أو متصلة بها ، وذلك حسب التطبيق المنفذ .

المصدر: www.maqalaty.com

old_id: 
653
اسم الكاتب: 
الاستاذ منصور عزت ابو ريدة