-
التخصص في العلم (2)
قد يقول قائل أن المائدة المذكورة لم يصنعها طبّاخ واحد بل عدّة طباخين، فنقول: صحيح ولكنّهم في مكان واحد متناسقة أعمالهم ومتكاملة ومرتَّبة. ولو لم يكونوا في مكان واحد فالتكامل بينهم قائم وإلاَّ لما ظهرت تلك المائدة بشكلها الجميل كخريطة ملوّنة بديعة.
ونعود إلى ما ئدة العلم؛ فنقول إنَّ مفهوم التخصّص وحجمه يتغيران من حين لآخر. ولو نظرنا مثلاً إلى علاقة المساحة التصويرية (Photogrammetry) والاستشعار عن بعد (Remote Sensing) ببعضهما في الماضي القريب واليوم لبان لنا هذه المفهوم بشكل واضح. فرغم المشتركات الكبيرة بينهما، ما كان علمٌ منهما يلتفت لآخر، بل رأينا تنافرًا بين أصحاب هذا العلم وهذا العلم حتّى أن أحدهما ربما أنتمى إلى قسم والآخر إلى قسم آخر في كثيرٍ من جامعات العالم. فانظر لحالهما اليوم لقد جعلتهما التقنية يتدانيان إلى حدٍّ الاتحاد تقريبًا؛ فالصورة أصبحت ذات هيئة واحدة، والمعالجة تستخدم نماذج رياضية واحدة، والمخرجات تتقارب في الدّقة وإن بقي بعض الفوارق المهمة بطبيعة الحال. إن من كان يستطيع في بداية الثمانينيات الميلادية الماضية أن يقول المساحة التصويرية شيءٌ والاستشعار عن بعد شيء آخر لا يستطيع أن يرفع صوته بنفس الحدِّة في يومنا هذا. فلو تخصص أمرؤٌ اليوم في أحدهما ولم يهتمَّ بالآخر لأصبح تخصصه منقوصًا. هذا مجرد مثال آخر للتتَّضح الصورة وإلاَّ فالأمثلة كثيرة في كلّ حقل من حقول المعرفية .
فالذي أراه أن التّخصص ضرورة لابد منها؛ ولكنّه تخصص منفتح على الرَّوافد القريبة منه التي تغذّيه ويغذّيها. وقد تزيد هذه الروافد أو تنقص بحسب قدرات النَّاس ومواهبهم التي منحهم الله إياها (وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم).
أمَّا ما ذكرت أن هناك متخصصًا ومستخدمًا فهذا صحيح؛ والمستخدم هو الذي لديه قدرة في توظيف التقنية بشكل جيد ولذلك تجد لدينا معاهد تقنية كثيرة تابعة لتخصصات مختلفة. وقد يتلاشى الفاصل بين المتخصص والتّقني إذا ما استطاع المرء أن يتقن العملين بمهارة جيدة....
آمل يا عبد العزيز أن أكون أضفت شيئًا مفيدًا .... ويبقى المجال مفتوحًا لكل إضافة مفيدة منك ومن القراء جميعًا. لك ولهم تحياتي وتقديري.
ظافر بن علي القرني
الخميس 6/11/1426هـ
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى