عزيزي عبادة
لقد لاقيت مثل هذا السؤال أكثر من مرة، وسببه دوماً هو الخلط بين الفهم التقليدي للألوان كما نستخدمه مثلاً في مناقشة لوحة لمحمود سعيد أو أدهم وانلي وبين فهم اللون والضوء فهماً علمياً مجرداً، وأنا لا أنكر عليك هذا الخلط ولا على غيرك فكلنا عندما بدأنا دارسة الاستشعار من بعد والتحليل الرقمي لبياناته مررنا بنفس التجربة.
من التجارب العلمية الشهيرةالتي قمنا بها جميعاً في دراستنا الأولية تجربة نيوتن لمنشور الزجاج (*)، وهي التجربة التي نسمح فيها لشعاع من الضوء بالسقوط على منشور زجاجي ليتحلل لمركباته الأصلية أو الألوان السبعة المشهورة. هذه التجربة لها بيان آخر حيث يتم إمرار الضوء من فتح ضيقة أشبه بتلك التي تصنعها بواسطة موسى في قطعة من الورق المقوى، ويمرر الضوء من منشور ثم يمرر الشعاع الناتج من مشور ثاني والنتيجة أن المركبات السبعة يتم أختزالهم إلى ثلاثة ألوان فقط الأزرق والأخضر والأحمر، ومهما أضفت من منشورات زجاجية أضافية لن يتحلل الضوء إلى مركبات إضافية، وهو ما دفع العلماء إلى الأيمان بأن الضوء يتركب من هذه المركبات الثلاثة. ومن ثم تنشأ الألوان المختلفة من تداخل هذه الألوان بنسب مختلفة.
لكن ما هي طبيعة هذه المركبات نفسها؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نتوقف عند نظرية الكم Quantum Theory قليلاً. تقول نظرية الكم بأن الضوء هو سيال من جسيمات أولية elementary particles يطلق على الواحد منها الفوتون Photon. هذه الجسيمات تتحرر نتيجة زيادة طاقة الجسم المصدر للضوء - التيار الكهربي يرفع طاقة فتيلة المصباح المصنوعة من التنجستين مثلاً - هذه الجسيمات عقب تحررها من مصدرها تسلك سلوك موجياً يفسر جانب من مسلكها مثل الإنعكاس Reflection والإستطارة Scattering وغير ذلك. وعندما تصتطدم هذه الجسيمات بأي جسم فإن طاقتها الحركية تتحول إلى طاقة وضع تزيد من طاقة وضع الجسم الذي اصطتدمت به ومن ثم تفنى.
فالضوء إذا سيال من جسيمات ذات طبيعة موجية تسمى الفوتونات.
كيف إذا تنشأ الألوان؟ الألوان مجرد أحساس كاذب ينشأ في العقل البشري نتيجة انتقال كم من الطاقة إلى العين البشرية، يعرف العقل هذا الكم بأسم لون معين ومن ثم يقوم بتكوين الصورة في داخلة مستخدماً الشفرة اللونية التي يعرفها. تصور أنك فتحت صورة باستخدام Photoshop أو GIMP ثم قمت بتغيير الـ Color Map لها، ستظل الصورة نفسها وإن كنت سوف تستغرب شكلها، لكن تصور لو أن هذه الصورة تراها بهذا الشكل منذ ولدت، عندئذ سوف لا تستغربها. الذي يحدث أن كم الطاقة المسمى بالفوتون يصتطدم بالشبكية فينقل طاقة حركته إلى الشبكية والتي بدروها تحول هذه الطاقة إلى إشارة كهربية يحملها العصب البصري إلى القسم المسئول عن الإبصار في العقل الذي يبني ما نسميه بالصورة.
أما التباين اللوني الذي نراه فمصدره في المقام الأول التباين في كمات الطاقة التي تحملها الفوتونات، فالفوتونات تنبعث من مدارات الإلكترونات المتختلفة ومن ثم تحمل كمات من الطاقة مختلفة، وعندما تبدأ في رحلتها متنكرة في شكل موجة، فإن هذه الموجة يكون لها تردد يساوي طاقته مقسومة على ثابت. ولذلك تتباين الأطوال الموجية لمركبات الضوء.
تتحرك الفوتنونات في حزم تتصرف كأنها كم واحد من الطاقة نتيجة تداخل موجاتها، ومن ثم فإن الألوان الأخرى غير الألوان الأساسية تتكون، وهي التي نستخدم لتسميتها أسماء مختلفة من ضمنها مثلا الأخضرالفاتح والأخضر الغامق، فالأخضر الفاتح مثلاً يتكون من نسبة كبيرة من المركبة الخضراء ونسب أقل من المركبات الأزرق والأحمر (الحزمة التي سببت الإحساس باللون الأخضر الفاتح تضم نسبة أكبر من فوتونات لها تردد الضوء الأخضر) بينما الأخضر الغامق يتكون من نسبة ضئيلة من المركبة الخضراء.
أخيراً وقبل أن أنهي حديثي، الكاميرا الرقمية تقوم بعمليتين في آن واحد وهي عملية جمع البيانات ومن ثم تركيبها لتنتج منتج ملون للصورة، المجسات لا تقوم بهذا حيث يتم جمع البيانات الممثلة لنطاق محدد من الطيف الكهرومغانطيسي في مجموعة بيانات يطلق عليها اسم النطاق band أو القناة channel لذلك عند النظر لنطاق واحد من أي صورة من الصورة يظهر بتدريج اللون الرمادي وليس ملون، فهو عبارة عن مكون واحد وظهور لون يستلزم تراكل ألوان ثلاثة.
-----------------------------------------------------------------------------------------------
هامش:
(*) للإفادة: التجربة المتداولة اليوم والمعروفة باسم تجربة نيوتن أول من قام بها ليس الفلكي البريطاني اسحق نيوتن ولكن العالم المسلم ابن الهيثم الذي عاش في الفترة بين 965 و 1040 ميلادي وقد ذكرها تفصيلاً في كتابه الشهير المناظر. وقد أطلع نيوتن على نسخة هذا الكتاب المترجمة إلى اللغة اللاتينية وهي النسخة المحفوظة اليوم في المتحف البريطاني في قسم مقتنيات نيوتن وعليها تعليقات بخط يده ممثا يثبت معرفته لما كانت تحتويه.