أهلاً بعبد العزيز

سؤالك مهم وجدير بالمناقشة. وما نقوله فيه آراء تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ لأن مفهوم التخصص وعدمه يختلف من عصر لعصر ومن موضوع لموضوع. أضرب لك مثالاً. كان كثيرٌ من علماء المسلمين الأوائل مبدعين في أكثر من مجال. فالعالم منهم تجده في الحديث والفقه والتفسير واللغة والتأريخ وغير ذلك. وتجد العالم في هذه كلها أو بعضها ويعمل في مهنة شاقة لطلب الرّزق. وتجد منهم من يبحر في الرياضيات والفلك والجغرافيا وربما غيرها من المعارف الأخرى، ويأتي في كلِّ مجال بما يبهر العقول. لكن يظل هؤلاء القوم قلّة وإن كثروا قياسًا بكثرة النَّاس من حولهم.

هذا حال، والحال الآخر في طبيعة العلوم نفسها. لعلك تتفق معي أن نظم المعلومات الجغرافية ضربت مفهوم التخصص الذي نعرفه في الصميم فمحقته إلى الأبد. فقبل مدّة قصيرة لم يكن الجغرافي مهتمًّا بالمعارف الهندسية كثيرًا، وكذلك الهندسي لم يكن ينظر إلى المعارف الجغرافية باعتبار. والمهندس المدني المتخصص في غير المساحة ما كان يرى أن الخريطة مهمة له بل ربما رأها أداة تخلف بخطوط كنتورها وأشكالها. وقس على ذلك حال صاحب البيئة في الزراعة، والجيولوجي في الطبيعة، وغيرهم كثير. واليوم أيقن الجميع أن لا مناص من معرفة ما لدى الآخر حتى تكون الحلول شاملة وسليمة.

هذا النوع من واجب المعرفة يوسِّع دائرة الاختصاص وإن كان لا يلغيه. فأنا أوافقك أنَّه لا بد من التخصص ليكون التميّّز لكن السؤال هو ما قطر دائرة هذا التخصص، أيها الفاضل؟

وبعد:

الليلة هي ليلة الخميس وأنا الآن أقف بأفكاري على أطراف منتزه في الثمامة فيه وليمة أصنافها المختلفة تدلنا على أن الطَّباخ لا بد أن يكون متخصِّصًا في أنواع كثيرة من المأكولات. بعد أن أعود من مهاجمة تلك المائدة الجميلة، نواصل الحديث في هذا الموضوع الشيق.

دم بخير وعافية.


ظافر بن علي القرني