-
رد : هل تؤيد فكرة نقل أقسام الجغرافيا في الجامعات العربية من كلية الآداب إلي كلية الع
[align=justify]أخي الكريم الشريف أحمد
تحية طيبة مباركة
لا أخفي أن مشاركتي في فاعليات المنتدى في الفترة الأخيرة قد فترت لأسباب عدة لا مكان لذكرها هنا. لكن مشاركتك بالذات في هذا النقاش قد أستوقفني وأزعم أنها قد بثت في رغبة في مناقشتك مازالت تثور حتى كتبت تلك السطور.
في مطلع كلامك ذكرت أن من يدعون لنقل تخصص نظم المعلومات الجغرافية إلى كليات العلوم أو الهندسة أو الحوسبة قد ظلموا طلبة جغرافيا، ومقولتك في حد ذاتها ظلم للمناقشة لأنها لم تستند لأساس موضوعي، فمن ناحية من عرض الفكرة كان يقصد بها تطوير دراسة فرع تقني معين ولم يستهدف بها فئة معينة، ثانية إن كان هناك ظلم قد وقع فهو لم يقع من المتحاورين بقدر ما وقع من مخططي السياسات التعليمية في مصر وغيرها من العالم العربي، فليس هؤلاء المتحاورين هم من دفعوا بآلاف الطلاب في مساقات تعليمية أنتجت منهم خريجين غير أكفاء ولكن هؤلاء الذين صمموا هذا المساقات من فعلوا.
إن تخصص الجغرافيا تخصص لا غناء عنه لتنمية أي أمة، وقد أزدهر في عصر الأستعمار حيث حرضت حكومات الدول الإستعمارية أبناءها على دراسة الجغرافيا حتى يتثنى لتلك الحكومات درس مناطق عملها من خلالهم، تلك المناطق التي تحولت إلى مستعمرات بعد درسها جغرافياً وتقييمها أقتصادياً، وقد أستطيع أن أضرب لك عشرة امثلة على هذه الحقيقة التاريخية ولكن ساقتصر على مثال يدرس لنا نحن المصريين ليل نهار في كتب التاريخ، ماذا فعل نابوليون عندما غزى مصر؟؟ أنشأ المجمع المصري الذي كان مهمته الأساسية مسح مصر بالطول والعرض لصياغة تقرير عرف بعد ذلك بإسم "وصف مصرDescription de l'Égypte" هذا التقرير الذي نشر بعد خروج الغزو ليصبح المصدر الأساسي للتخطيط لأستعمار مصر في وزارتي الأستعمار الفرنسية والإنجليزية. وعندما حلم الخديو إسماعيل بإمبراطورية أفريقية أنشأ قبل الجيوش الجمعية الجغرافية المصرية والتي كرست جهودها لأستكشاف تلك المناطق التي أراد ذلك الأمير ضمها لملكه، وزيارة واحدة لمتحف الجمعية في مقرها في قصر مجلس الشورى كفيلة بتأكيد كلامي. واليوم يلجأ كثير من مخططي السياسات التعليمية في الدول المتقدمة إلى فصل تخصص الجغرافيا في كلية مستقلة بذاتها وربما ضم تخصصات علوم الأرض المختلفة إلى هذه الكلية لقناعتهم بدور علم الجغرافيا الرئيس في التنمية وإليك بعض الأمثلة: المدرسة العليا للجغرافيا بجامعة كلارك – الولايات المتحدة، كلية الجغرافيا وعلوم الأرض جامعة لومونوسوف موسكو – روسيا، كلية الجغرافيا والتخطيط العمراني بجامعة دورتموند ألمانيا.
لكن ماذا حث في بلادنا؟؟ لقد كانت البداية رائعة وأخرجت أقسام أعلام تنافس كبار منظري الجغرافيا العالميين، ويكفيني ذكر أستاذين مصريين هما سليمان حزين وجمال حمدان، وإذا أردت أن أسرد قائمة بعلماء الجغرافيا – ولاحظ أن العالم قد يكون أستاذ جامعي ولكن ليس كل إستاذ جامعي عالم - في عالمنا العربي في فترة 1900 – 1975 قد أحتاج إلى مئات السطور.
ثم كانت المصيبة. والمصيبة هي ضعف الأحتكاك بالتطورات العالمية في علوم الجغرافيا والتي ظهرت في تقوقع معظم الباحثين على انفسهم، واصبحت أبحاثهم مجرد تكرار لكلام غيرهم، ومن ثم أصبحت أبحاثهم لا مكان لها في القاعدة المعرفية العلمية العالمية للجغرافيا الممثلة في النشر الدولي المعتمد في المجلات العلمية العالمية المحترمة، لكن شيطان التخلف كان قد وسوس لعدد من المتنفذين بأنه إذا رفضت المجلات العلمية العالمية نشر أبحاث أخواننا المتحجرين هؤلاء فلننشأ مجلاتنا العلمية الوطنية، وهذا كان من باب كلمة الحق التي اريد بها الباطل، فهذه المجلات أصبح محكميها هم أنفسهم الأخوة المتحجرين، فاليوم الأستاذ س يقدم بحث لمجلة الجامعة يحكمه زميله الأستاذ ص، والأستاذ ص سيقول ان هذا البحث يرقى لدرجة نقطة الأنقلاب في تاريخ العلم ومن ثم ينشر هذا البحث، وبعدها سيقوم الأستاذ س بتحكيم بحث للأستاذ ص فيرد الجميل ويقول أن بحث ص آيه في العلم، إنها عقلية شيلني وشيلك والنتيجة أن أصبح هؤلاء الباحثين المتحجرين في عالم غير العالم الحقيقي. ولأن المثال في هذا الموضع قد يفتح علي أبواب النار والدم فأعذرني إن كنت سأضرب المثال بدون ذكر أسماء، مجلة علمية لجامعة مصرية عريقة ضمت ورقة بحثية لأستاذ في ذات الكلية التي تصدر المجلة حول جغرافيا الخدمات في مركز إداري في محافظة مصرية (بأستخدام نظم المعلومات الجغرافية) في سبعين صفحة – لا تسمح أي مجلة علمية عالمية بمثل هذا العدد من الصفحات أبداً – كان عبارة عن سرد لتاريخ هذا المركز الإداري وتطور الخدمات فيه ثم جداول بأعداد هذه الخدمات وخرائط تبين مواقع هذه الخدمات في المركز الإداري؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!! فقط هذا هو البحث العلمي ما النتيجة التي توصل لها الباحث ؟ ما الجديد الذي أشار إليه؟؟ مجلة علمية أخرى عن مؤسسة علمية مصرية عريقة - كتب عنا في الستينات أنها واحدة من المؤسسات التي سوف تساهم في إعادة رسم خريطة التقدم العلمي للإنسان – لأستاذة ثلاثة من مصر والعربية السعودية والمغرب حول جيولوجيا منطقة في أقليم بالمملكة العربية السعودية وطبعاً بإستخدام نظم المعلومات الجغرافيا،البحث عبارة عن وصف لعملية التحويل الرقمي للخريطة الجيولوجية للمنطقة إلى طبقات نظام معلومات جغرافي ومن ثم أستعراض أمكانيات البرنامج المستخدم في تعريف identify الألوان عند النقر عليها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!! المثال الأخير كتاب عن الجيومورفولوجيا لأستاذ كبير ذي صيت واسع عند أستعراض قائمة مراجعه تجد أن أحدث مرجع علمي يعود إلى عام 1979 بينما بقية المراجع بعد عام 1979 فهي الرسائل العلمية التي أشرف عليها الأستاذ والأبحاث التي نشرها وتتناول جيومورفولوجيا مناطق عدة في العالم العربي من نواكشوط إلى البحرين ومن منابع الفرات إلى مصبات جوبا وشبيلي، أماكن لم تدوسها أقدام الأستاذ الفاضل قط، وكأن العلم قد توقف عام 1979 ولم يتغير إلا بأبحاث الأستاذ والرسائل التي أشرف عليها.
أضف إلى ذلك الهدف من البحث العلمي نفسه، والذي أصبح غايته هو الترقية فحسب، فاصبح كم البحث العلمي هو المطلوب وليس جودته.
* * *
الآن لنناقش كيف تحولت أقسام الجغرافيا إلى أقسام نظم المعلومات الجغرافيا في طرفة عين، ويحضرني هنا مشهد من مسرحية تخاريف لمحمد صبحي حيث يقوم بدور زعيم إنقلابي في دولة من العالم النامي يدخل على زوجته متأبط كتاب ضخم ثم يقول لها أنه قرأ كتاب عن حاجة عظيمة اسمها الاشتراكية، سألته ببراءه وما هي الأشتراكية؟ قال محمد صبحي هي أن تستولي الدولة على كل شئ وتبدأ تلم في الفلوس، قالت الزوجة بنفس البراءة: وبعدين، رد: وبس انا قريت لحد هنا وأكتفيت. بهذه الطريقة تم إنشاء أقاسم نظم المعلومات الجغرافية محل اقسام الجغرافيا، بل إنني أتخيل أحدهم دخل على آخر وقال له أنا سمعت عن حاجة جديدة أسمها نظم المعلومات الجغرافية، هيا بنا ننقلب لنصبح قسم نظم معلومات جغرافية، فيرد الثاني وبعدين؟ يقول الأول: بس كفاية كده. وهذا ما حدث. فكثير من أقسام طرفة العين لا تضم أعضاء هيئة تدريس مؤهلين لفهم طبيعة نظم المعلومات الجغرافية من حيث هي منطقة رمادية تختلفط فيها علوم الحوسبة ونظم المعلومات بعلوم الجغرافيا الكمية والتحليلية تحديداً وليس الجغرافيا الوصفية التي عفى عليها الزمن، ومع ذلك يتصدون بكل بجاحة لتدريسها للطلاب المبتدئين الذين يضعون ثقتهم فيها، واذكر أحد الأساتذة ذوي الأسماء الرنانة في جامعة كبيرة في بلد عربي عظيم وحبيب لقلب كل مسلم، جمعتني بها مناقشة على هامش أحد المؤتمرات العلمية وكان يسعى بين يديه أحد أتباعه – آسف طلابه – يقدمه للجميع كرائد نظم المعلومات الجغرافية في العالم العربي وكأن الحاضرين في المؤتمر هو باعة خضار، المهم أكتشفت أن الستاذ الفاضل لا يعرف الفارق بين الـ Polyline والـ Multiple Line مع أنه يقدم في المؤتمر بحث عن شبكات النقل والتفرقة بين هذين النوعين من البيانات الرسومية أساسي لتمثيل شبكات النقل، وألسوء أنه لم يكن على إطلاع بطرق تقييم خدمات الشبكات إلا تلك التي يقدمها البرنامج الذي أستخدمه.
* * *
تقول أن كليات العلوم والطب والهندسة لا تدرس ما فيه الكفاية، واقول لك أن ما سرى على الجغرافيا سرى على كل العلوم في العالم العربين وليس هذا ذنب العلوم أو الهندسة ولا ذنب الطلاب ولكن ذنب القائمين على السياسات التعليمية في الوطن العربي ولا زال تقييم الجامعات المصرية والعربية في ذيل تقييم الجامعات العالمية وكلنا في الهم عرب.
* * *
الآن أتجاوز النقد إلى الرؤية البناءه.
لماذا يلتحق الطالب بالكلية ويقضي اربع سنوات طوال مجهدات. حتى يتحصل على قدر من العلم والتقنيات والخبرات توفر له المنازلة في ميدان العمل، أم أنك تعتقد أن الشهادة لزوم الواجهة الإجتماعية؟؟ في الوضع الحالي من أقسام ذات عناوين براقة ومحتوى فارغ فإن الطالب المتخرج عن هذه الأقسام لا فرصة له في سوق العمل، ولا تقول لي أن فلان تخرج من القسم ويعلم في شركة كذا ويحصل على خمسمائة جنيه في الشهر وهذا أول مرتب، لأنني اقول لك في أي بلد تحترم نفسها فإن أخصائي نظم المعلومات الجغرافية حديث التخرج يحظي بمرتب مبدئي الف دولار وهو مرتب عادل نظير خبرته ويمكنك أن تراجع موقع مثل GIS Jops لتتأكد من كلامي. وعندما تحاول أن تجد فرصة عمل من تلك التي تقدم هذه المرتبات فعند إذا سوف يتم تقييمك على أساس خبراتك الفعلية وهو ما يحدث في القطاع الخاص في مصر وغيرها في العالم العربي، وأسأل نفسك لماذا تستعين الشركة المصرية المحترمة الوكيل لبرنامج نظم المعلومات الجغرافية الشهير بمديري مشروعات هنود وتدفع لهم آلاف الدولارات شهرياً بدلاً من المصريين في بلد يعاني من البطالة، أجيبك إن كنت لا تعرف لأن هؤلاء الهنود جمعوا بين علوم الحوسبة ونظم المعلومات وبين فهمهم للجغرافيا التحليلية والكمية، تلك الخلطة السحرية المدهشة لنظم المعلومات الجغرافية. وهذا ما يجب على الطالب الذي يريد أن يحسن فرص حصوله على فرص عمل أن يفعله، عليه أن يبحث بنفسه ويعلم نفسه بنفسه، عليه أن يجاوز الكتب التعسة التي تجمع بين الغث والغث فقط، ويحاول أن يطلع على الكتبة العلمية العالمية، يجب أن يتعلم البرمجة وقواعد البيانات، ستقول التكلفة كبيرة لكن هذا هو الاستشمار إذا كان ليديك مشروع تتوقع منه أن يعود عليك بعائد كبير فلن تبخل عليه، ستقول التعليم الذاتي صعب واريد أن أجد مركز يعلمني هذه البرامج، واقول لك تعلم بنفسك من المراجع والكتب فما تتعلمه بصعوبة تنساه بصعوبة وما تتعلمه بطريقة التذكرة السريعة ستنساه قبل أن تغادر قاعة الدرس.[/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى